بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي فضَّل نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم على بني آدم بل وعلى جميع العالم ، فاعتنى بشأنه ورفعة مكانته وعلو مكانه في كل نشآت وجوده ، فصلى عليه صلاة خاصة ، وبعثه رحمة عامة إلى خلقه بكرمه وجوده ، وأنطق لسان المقبولين من الملائكة والمؤمنين بالصلاة والسلام عليه لينالوا من صلاة الله وملائكته ونبيه من صلاة ورحمات وبركات تقربهم قربات إليه ، فسبحانه من إلهٍ نفتخر بعبادته وعبوديته ، ونحمده على أن جعلنا من أمةِ هذا النبيِّ ، وتقبلنا بفضله وقبوليته ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة منجية راقية إليه ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الدال عليه ، وأعلى المقربين لديه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأهل الصلاة عليه من حزبه .
أما بعد :
فإن غريق بحر العصيان ، وأسير النفس والشيطان ، والمتورط في الكرب والبلاء ، والمتألم بالآلام والأدواء ، وإن شرَّع الله لنجاته أعمالاً تدفعُ عنه الأهوال حالاً ومآلاً ولكن لا مثل الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فإنها بعشر صلوات من الله ، وواحدها ينجي من مهالك العالم ، فكيف بعشرها والإكثار منها ؟ ولو لم يكن من فضلها إلا التأسي بالله رب الأنام لكفى في شرفها ، وقد انضم معه مشاركة الملائكة مع المؤمنين في الصلاة على سيد المرسلين ، ثم تبليغ الملائكة صلاة المصلين إلى النبي وربه العلي ، وجزائهم صلاة الله ورسوله وملائكته أضعافاً مضاعفة ، وثبات محبة النبي الحبيب في قلوب المصلين ، وثبات غرامه في أكباد المحبين ، والمرء مع من أحب ، فهذا فضل لا أكمل منه ولا أحب ، وهو وسيلة النجاة في الصلاة على سيد الكائنات عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات نسأل الله أن يعطف علينا قلب حبيبه الكريم ويجعلنا على الصراط المستقيم .
قال الله تعالى في القرآن العظيم (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) فأمرنا بالصلاة عليه والتسليم ، مؤكداً في التسليم بالمصدر وفي التصلية بما صدر وهو أعظم وأكبر ، فإن التسليم بمعنى الانقياد ومن أفعالنا الواجبة علينا ، وبمعنى التحية هو أعظم شعار الإسلام فينا ، وصفتها السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، وأما الصلاة عليه فقد خبَّر الله بعموم عالم القدم والحدوث من الملك والملكوت من الله الرحمة ومن الخلق الدعاء له .
وفي الثقات والطبراني بسند رجاله ثقات عن مالك بن حويرث . قال صعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المنبر ، فلما رقي عتبة ، قال : « آمين » ثم رقي عتبة أخرى ، فقال : « آمين » ثم رقي عتبة ثالثة ، فقال : « آمين » ثم ، قال : « أتاني جبريل ، فقال : يا محمد ، من أدرك رمضان فلم يُغفر لهُ ، فأبعده الله ، قلت : آمين ، قال : ومن أدرك والديه أو أحدهما ، فدخل النار ، فأبعده الله ، قلت : آمين ، فقال : ومَنْ ذُكِرت عنده فلم يصل عليك ، فأبعده الله ، قل : آمين ، فقلت : آمين » ، رواه البزار عن عمار بن ياسر ولفظه ( أن جبريل أتاني فقال : رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يُغفر له ، قل : آمين ، فقلت : آمين ، ورَغِم أنفُ رجلٍ أدرك والديه فلم يدخلاه الجنة أو فأبعده الله ، قل : آمين ، فقلت : آمين ، ورغم أنف رجل ذُكِرت عنده فلم يصلِّ عليكَ فأبعده الله ، قل : آمين ، فقلت : آمين ) .
ورواه الطبراني عن ابن عباس ولفظه قال : ( جاءني جبريل فقال إنه مَنْ ذُكِرتُ عنده فلم يصلِّ عليك دخل النار فأبعدهُ الله وأسحقهُ ، فقلت آمين ، قال ومن أدرك والديه أو أحدهما فلم يبرَّهما دخل النار فأبعده الله وأسحقه ، فقلت آمين ، ومن أدرك رمضان فلم يغفر له دخل النار فأبعده الله وأسحقه فقلت آمين ) .
ورواه البزار والطبراني عن عبد الله بن حارث بن جزء الزبيدي بنحوه قال فيه : ( مَنْ ذُكِرتَ عنده فلم يصلِّ عليكَ فأبعده الله ثم أبعده ، فقلت آمين ) .
ورواه البخاري في الأدب المفرد والدار قطني في الإفراد عن جابر بنحوه وعنوانه ( شَقيَ عبدٌ ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليك ) .
وفي رواية التيمي عن أبي هريرة ذكر نحوه وقال ( شقي امرؤ أو تعس امرؤ ذكرت عنده فلم يصل عليك ) هذا ما في حديث التأمين .
وورد عند الترمذي وحسنه الحاكم وصححه وأحمد عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يُصَلِّ عَليَّ ) .
وروى ابن السني عن جابر قال ، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( مَنْ ذُكِرت عنده فلم يُصَلِّ عَليَّ فقد شقي ) ، ولفظ الطبراني ( شَقيَ عبدٌ ذُكِرتُ عنده فلم يُصَلِّ عَليَّ ).
وروى الديلمي في مسند الفردوس عن عبد الله بن جراد عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : ( مَنْ ذُكِرتُ عنده فلم يُصَلِّ عَليَّ دخل النار ) .
وروى البيهقي بإسناد حسن عن أبي هريرة : ( مَنْ ذُكِرت عنده فنسي الصلاة علي خطئ به طريق الجنة ) .
ورواه ابن حاتم بإسناد جيد حسن عن جابر ورواه الطبراني عن الحسن بن علي ( مَنْ ذُكِرتُ عنده فخطئ الصلاةَ عليَّ خطئ طريق الجنة ) .
وروى أحمد والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه عن الحسين بن علي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : ( البخيل مَنْ ذُكِرت عنده فلم يُصَلِّ عَليَّ ).
ورواه النسائي والترمذي عن علي وقال حسن صحيح ورواه الحاكم عن أبي هريرة بلفظ ( البخيلُ كلّ البخيلِ مَنْ ذُكِرتُ عنده فلم يُصَلِّ عَليَّ ) .
ورواه ابن أبي عاصم عن أبي ذر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال ( ألا أخبركم بأبخل الناس ؟ قالوا بلى يا رسول الله ، قال مَنْ ذُكِرت عنده فلم يُصَلِّ عَليَّ فذلك أبخل الناس ) .
ورواه ابن أبي عاصم عن الحسن بن علي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : ( بحسب امرئٍ من البخل أن أُذكرَ عنده فلا يصلي عليَّ ) .
ورواه الديلمي عن جابر فقال : ( بحسب المؤمن من البخل إذا ذُكرت عنده أن لا يصلي عليَّ ) .
وروى عبد الرزاق بسند رواته ثقات عن قتادة مرسلاً قال ، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( مِنْ الجفاء أن أُذكر عند رجل فلا يصلي علي ) .
وروى المروزي عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( من لم يُصَلِّ عَليَّ فلا دين له ) .
فهذه الأحاديث الناطقة بالوعيد لمن ترك الصلاة عندما يُذْكَر صلى الله تعالى عليه وسلم من دعاء جبريل بالإبعاد ، وتأمينه عليه ، مع كونه رحمة للعباد ، وإخباره بحصول الشقاء ونسيان طريق الجنة ودخول النار ، ووصف الجفاء وإنه أبخل ، وأَلأَم لا دين له ، تفيد منع الغفلة عن الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم عند ذِكرِه وسماعه كلما ذُكر ، فالاستمرار عليها عند تكرار الذكر أحرى وأجدر ، ( مولاي صلي وسلم دائماً أبداً على حبيبك خير الخلق كلهم ) .
وإذ ثبت أن الصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم نافعة في كل الأحوال ، دافعة لكل الأهوال ، مقرِّبة المصلى عند الله ورسوله ، قاضية لكل سُؤلِهِ ، فقد شهد لذلك أيضاً شاهد الحال ، بل أمكن بالصلاة عليه ما كان من المحال ، فمن ذلك أن خراسانياً خرج للحج ، فاعتل والده بالكوفة ومات ، فتحولت صورته صورة حمار ، فبات الخراساني مهموماً مغموماً ، فرأى في منامه رجلاً دخل فكشف عن وجهه فنظر إليه ثم غطاه وقال أبشر فقد زالت المحنة عن أبيك بعناية الله ، فإذا وجه الميت كالقمر الطالع ، نوره لامع ، فقلت : مَنْ أنت يا مبارك القدم ؟ قال : أنا المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم إن أَباك كان يأكل الربا ، ومن يأكل الربا تتحول صورته صورة حمار إما في الدنيا أو في الأخرى ، ولكن أباك كان يصلي عليَّ كل ليلة عند مضجعه مائة مرة ، ويبلغني الملك صلاته عند عرض أعماله ، فلما مات أبوك أخبرني الملك بحاله ، فسألت الله فشفعني فيه، فلما رأى الخراساني كالبدر يلمع وجه أبيه ، جهزه ودفنه وجلس عند قبره ساعة ، فأخذته سِنَة ، فقال هاتف : هذه العناية التي رأيت بها النجاة سببها الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، فآلى الخراساني أن لا يترك الصلاة والسلام عليه في حال أبداً ، فكان يصلي حيث كان من الحرم والبيت وعرفة ومنى ولا يشتغل بتطوع ولا بدعاء في المناسك والمشاعر العظام سوى الصلاة والسلام .
وقد رأى سفيان الثوري رجلاً في الحج يصلي على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له : هذا موضع الثناء على الله ، فقال ألا أخبرك بقصتي ؟ فإني كنت في بلدي ولي أخ قد حضرته الوفاة فإذا وجهه قد أسودَّ وتخيلت أن البيت قد أظلم فأحزنني هذا الغم ، فبينا أنا في همِّي إذ دخل رجل وجهه كالسراج يضيء ، وكشف عن وجه أخي ومسحه بيده فصار وجهه كالقمر ، وقال أنا ملك موكل بمن يصلي على سيد البشر صلى الله تعالى عليه وسلم ، وكان أخوك ممن يكثر الصلاة عليه ، فتداركه الله بلطفه وكساه نوراً في وجهه ، وهكذا أفعل بمن يصلي عليه صلى الله تعالى عليه وسلم .
ورأى سفيان الثوري في الحج شاباً لا يرفع قدماً ولا يضع أخرى
إلا ويصلي على المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقلت له أبعلم تقول هذا ؟ قال نعم ، قلت : فما وجه هذه الصلاة ؟ قال : كنت حاجاً ومعي والدتي ، سألتني دخول بيت الله ، فَفَعَلتْ فَوَقَعَتْ وتورم بطنها واسود وجهها ، فجلست حزيناً عندها أقول : يا رب تفعل بمن دخل بيتك هكذا ! فإذا بغمامة من قبل تهامة ارتفعت وإذا رجل عليه ثياب بيض ، فدخل البيت وأَمَرَّ يده على بطنها ووجهها فابيض الوجه وتعافى المريض ، وقال أنا نبيك محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، قلت : فأوصني يا رسول الله ، قال : لا ترفع قدماً ولا تضع إلا وأنت تصلي على محمد وعلى آل محمد ، فعن هذا ما تراه .
ولما مات أبو العباس أحمد بن منصور وكان من الأكابر رآه رجل من أهل شيراز في منامه أنه واقف في محراب جامع شيراز وعليه حلة وعلى رأسه تاج مكلل بالجواهر فقال ما فعل الله بك قال غفر لي ورحمني وأدخلني الجنة وتوجني بكثرة الصلاة على رسول صلى الله تعالى عليه وسلم .
وسأل أبو الحسن البغدادي الدارمي في منامه أبا عبد الله بن حامد عن عمل يدخل به الجنة ، فقال : صلِّ ألف ركعة تقرأ في كل ركعة (قُلْ هو الله أحد ) ألف مرة ، قال : لا أطيق ذلك بمرة ، قال : فصلِّ على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ألف مرة كل ليلة .
ورأى البعض في منامه السيد الكبير أبا حفص الكاغدي فقال : ما فعل الله بك ؟ قال : رحمني وغفر لي ، وفي الجنة أدخلني وقفني بين يديه وأمر الملائكة فحسبوا ذنوبي وحسبوا صلاتي على المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم ، فوجدوها أكثر ، فقال المولى : حسبكم لا تحاسبوه وفي جنتي أدخلوه .
ورأى بعض الصالحين صورة قبيحة في النوم فقال لها من أنت ؟ قالت :
أنا عملك القبيح المشؤم ، قال لها : فبم النجاة ؟ قالت : بكثرة الصلاة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم .
وقال الشبلي : مات رجل من جيراني فرأيته في منامي فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : ارتج علي عند السؤال فقلت في نفسي : من أين أتت علي هذه الأهوال ؟ ألم أمت على الإسلام والإيمان ؟ فنوديت هذه عقوبة إهمالك اللسان ، فلما هم بي الملكان ، حال بيني وبينهما رجل جميل الصورة طيب الرائحة فذكرني حجتي فأجبتهما بما هو أحب ، وقال : أنا خلقت من كثرة الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأمرت أن أنصرك في كل كرب .
وروي في بعض الأخبار أن عبداً مسرفاً على نفسه من بني إسرائيل فتح التوراة يوماً فوجد فيها اسم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فصلى عليه ، فلما مات ورموا به لأنه هالك أوحى الله إلى موسى عليه السلام أن أغسله وصلِّ عليه فإني قد غفرت له بذلك .
ورأى بعضهم ماجناً في المنام فقال : غفر لي لأني رفعت صوتي عند إملاء الشيخ الحديث وصلاته على نبينا فسمع الصوت أهل المجلس فصلوا عليه ، فغفر لنا في ذلك اليوم كلنا .
وجاءت امرأة إلى الحسن البصري تسأله رؤية ابنتها الميتة في منامها فأرشدها بركعات والصلاة على المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم ، فرأتها في العذاب والبوار عليها لباس القطران يداها مغلولة ورجلاها مسلسلة بسلاسل من النار فلما انتبهت أخبرته بحالها فأرشدها إلى الصدقة فإنها تطفئ غضب الرب عسى الله ينجيها بها من عذابها ، ولما نام الحسن تلك الليلة رآها في الجنة في سرور حسناء جميلة على سرير منصوب لها على رأسها تاج من نور قالت أنا ابنة تلك المرأة التي أمرتها بالصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقال لها قد وصفتك لنا أمك بغير هذا الحال قالت هو كما قالت وكنا سبعين ألف نفس في العذاب والنكال فعبر أحد الصالحين على قبورنا وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرة وجعل ثوابها لنا فقبلها الله منه وأعتقنا من النار ببركة ذلك الصالح وبلغ نصيبي ما شاهدته من الأنوار .
وروي أن رجلاً اتهم بسرقة جمل وثبت الشهود عليه عند النبي فأمر صلى الله تعالى عليه وسلم بقطع يده ، فصاح الجمل ببراءته ، فقيل له بم نجوت ؟ قال : بصلاتي على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : نجوت من عذاب الدنيا والآخرة ، وفي رواية : لتردن على الصراط ووجهك أضوء من القمر ليلة البدر .
وقال عبد الرحيم بن عبد الرحمن : أصابني وجع في يدي من وقعة وقعتها في الحمام فورمت يدي ، فبتُّ متوجعاً في ليلتي فرأيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في المنام يقول : أوحشتني صلاتك يا ولدي فأصبحت وقد زال الوجع والورم ببركة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم .
وقال محمد بن سعيد بن مطرف : كنت أصلي على النبي صلى الله وسلم بعدد معلوم عند المنام وكنت ساكناً في غرفة فكملت ليلة العدد وغلبني النوم والسنة فإذا بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم قد دخل علي من باب الغرفة ، فأصابها به نوره ثم نهض نحوي وقال هات هذا الفم الذي تكثر به الصلاة علي أقبله فاستحييت ، فقبل في خدي ، فانتبهْتُ وانتبهَتْ زوجتي فإذا بالبيت يفوح من رائحة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وبقيت تلك الرائحة في خدي نحو ثمانية أيام تشمها زوجتي .
ودخل الشبلي يوماً على أبي بكر بن مجاهد فعانقه وقبل بين عينيه وقال : فعلت كما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فعل به في منامي فسألته ، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : إنه يقرأ بعد صلاته (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ويتبعها بالصلاة علي ويقول ثلاث مرات : صلى الله عليك يا محمد .
وكان في بلخ تاجر كثير المال عنده ثلاث شعرات من شعرات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فمات عن ابنين فاقتسما المال نصفين وأخذ كل منهما شعرة من تلك الشعرات الشريفة وبقيت واحدة غير مقسمة ، فقال أكبرهما : نجعلها نصفين ، فقال الأصغر : لا والله بل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أجل من أن يُقَطَّع بشعره من النبيين ، فقال الكبير للصغير : تأخذ هذه الشعرات الثلاثة بقسطك من الميراث ؟ فرضى الصغير وأخذها في الحال ، وأخذ الكبير جميع المال فكان الصغير جعلها في جيبه يخرجها منه فيشاهدها ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أيام فنى مال الكبير وكثر مال الصغير ، فعاش الصغير أياماً وتوفي ، فرآه بعض الصالحين مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قل للناس : من كانت له إلى الله حاجة فليأت قبر هذا ويسأل الله قضاء حاجته ، فكان الناس يقصدون قبره ، حتى بلغ إلى أن كل من عبر على قبره راكباً ينزل ويمشي راجلاً ببركة صلاته عليه صلى الله تعالى عليه وسلم وتعظيم شعرته . وصلِّ اللهم على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .