الحمد لله ربِّ العالمين
اللهمَّ صلِّ علىٰ سيِّدنا محمَّد النَّبي الأُمّيّ الفاتح الخاتم وعلىٰ جميع إخوانه
الأنبياء والمرسلين وآلِ كُلٍّ وصَحْب كُلٍّ أجمعين وسلِّم تسليماً ..
وبعد :
فلقد أساء أقوام إلىٰ التصوف بانتسابهم إليه، وادِّعائهم له، وأساء آخرون باعتراضهم عليه، وردِّهم له جُملةً وتفصيلاً ؛ وذلك لأنهم لم يفقهوا حقيقته التي كان عليها السَّلف الصالح ،
ولم يفرِّقوا بين الحقِّ الذي هُدِيَ إليه الصوفية الصادقون، وبين الباطل الذي أُلصق بهم وأُدخل علىٰ طريقتهم، وهم منه براء .
ولقد قرأت بتحررٍ فكري ما كتبه الصوفية الصادقون من السَّلف والخَلَف،
وما كتبه أعداؤهم، وتابعت بسير حثيث تلك المعارك الدِّفاعية والهجومية بين أنصار التصوف ومعارضيه، باحثاً عن الحقِّ، طالباً من الله تعالىٰ أن يهديني لما اختلفوا فيه من الحقِّ بإذنه،
وبعد قراءة مؤلفاتٍ عِدَّة تبين لي الحقُّ الذي أَنْشُده، وتجلَّىٰ لي ما كان عليه الأئمة الأعلام من التصوف الخالي من البدع العَقَدِية والسلوكية التي ألصقت به ودُسَّت عليه، والذي سار علىٰ هداه ونوره كل من جاء بعدهم من الصالحين والصادقين والعلماء الربَّانيين .
وكل منصفٍ من الباحثين عن الحق والدَّاعين إليه إذا قرأ كتب أصول التصوف، وتراجم علمائه، وكتب الطبقات، سيصل إلىٰ النتيجة التي وصلت إليها من أنَّ التصوف هو ما عليه الأئمة والعلماء من السَّلَف والخَلَف، والخالي عن البدع والمخالفات ، وليس ما عليه الجهلة من العوامِّ والطَّغَام الذين ابتلي بهم التصوف في العصور المتأخرة، والذين كانوا سبباً من أسباب انحطاط المسلمين وتخلفهم .
ومما زادني يقيناً بصحة مشرب الصوفية ما اطَّلعت عليه من الأسانيد والمسلسلات والأثبات التي ألَّفها المحدِّثون وذكروا فيها أسانيدهم إلىٰ السَّلف الصَّالح ، والتي اتَّصلت بأئمة التصوف وعلمائه في القرنين الثاني والثالث الهجريين ، المشهود لأهلها بالخيرية والصَّلاح علىٰ لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: {خيركم قَرْني ثم الذين يلونهم ثمَّ الذين يلونهم}
ومن أراد الاطلاع علىٰ ذلك بنفسه فما عليه إلا أن يقرأ كتاب «الأحاديث المسلسلة» للمحدث عبد الباقي الأيوبي الأنصاري ‚،
أو ثبت المحدث الشيخ محمد بدر الدين الحسني ‚،
أو ثبت المحدث محمد بن جعفر الكتاني ‚،
أو ثبت أي عالم من علماء الحديث في مشارق الأرض ومغاربها ليجد في أسانيدهم صلتهم بصوفية السلف الصالح، وليتحقق لديه أن ورَّاث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد جمعوا بين الحديث والفقه والتصوف، وبالأسانيد المتصلة المسلسلة بالثقات العدول من كبار العلماء والأئمة من سلف الأمة وخلفها .
ووجد من كبار العلماء والأئمة من سلك طريق التصوف ولبس خِلْعة الصوفية تبركاً، وقد جمع المحدث الشيخ يوسف بن عبد الهادي الحنبلي ‚ كثيراً منهم في كتابه
«تهذيب النفس للعلم وبالعلم»
وهو مطبوع فليراجعه من أحب .
فالتصوف هو روح الدين الإسلامي وحقائقه وأخلاقه، وهو ركن التزكية المعبَّر عنه في الحديث الصحيح «بالإحسان»، وعلماء الصوفية هم السلفيون الحقيقيون؛ لاتصال أسانيدهم بالسلف حقيقة لا ادَّعاءً، وهم الوُرَّاث المحمديُّون الذين جمع الله تعالىٰ لهم بين وراثة العلم ووراثة الحال
ولهـٰذا كله أحببت لجميع الخلق أن يهديهم الله تعالىٰ للحق الذي هداني إليه، وأردت بيان حقيقة التصوف وأخلاق الصوفية، فقمت بجمع ( كتاب علماء الصوفية هم السلفيون الحقيقيون) لأنصر التصوف الذي ظُلِم ويُظْلَم علىٰ أيدي مدَّعيه وأعدائه، وألحقت بهـٰذا المختصر أبحاثاً فيها شهادات كبار العلماء والأئمة للتصوف ورجاله .
والله أرجو أن يُظْهِر الحق حقاً لجميع عباده، وأن يوفقني وإياهم لبيان الحق والدعوة إليه، وأن يفتح لي ولهم بفضله وكرمه .
وجزىٰ الله عني والديَّ، ومشايخي، وإخواني في الله تعالىٰ، وعلماء المسلمين، وأصحاب الحقوق عليّ، خير الجزاء وجزاء الخير، وصلىٰ الله علىٰ سيِّدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وورَّاثه وأحبابه وأتباعه وسلَّم، وسلام علىٰ المرسلين والحمد لله رب العالمين .