أول المراحل: القيام بأركان دين الإسلام الخمسة Hitskin_logo Hitskin.com

هذه مُجرَّد مُعاينة لتصميم تم اختياره من موقع Hitskin.com
تنصيب التصميم في منتداكالرجوع الى صفحة بيانات التصميم

مَوقِع الطَريقَة الرِفاعيَة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أول المراحل: القيام بأركان دين الإسلام الخمسة

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

أول المراحل: القيام بأركان دين الإسلام الخمسة Empty أول المراحل: القيام بأركان دين الإسلام الخمسة

مُساهمة من طرف احب العلم الخميس فبراير 24, 2011 1:14 am

أول المراحل: القيام بأركان دين الإسلام الخمسة
وهي الإتيان بالشهادتين المباركتين، والصلاة والصوم والزكاة وحج البيت إن استطاع المؤمنُ إليه سبيلا.
أما النطق بالشهادتين والإيمان بما انطوتا عليه فهو حصن الله الأكبر، وهو باب كل خير ديني ودنيوي، ولا ينفع بغير الشهادتين عمل، ولا يتم للعبد
بسواهما من حضرات الحق أمل، وبهما يفرق بين المؤمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبين غيره، وكلمة )لا إله إلا الله( نور القلب والسر، وكلمة (محمدٌ رسول الله) نور الوجه، ومعراج الروح إلى حظيرة القدس، بهما الخروج من الظلمات إلى النور، والنجاة بعون الله يوم الحشر والنشور.
ففي (لا إله إلا الله)، القول بوحدانية الواحد الأحد الفرد الصمد، ألا وهو الله الذي لا إله إلا هو الذي لا شريك له، ولا نظير له، ولا ندَّ له، ولا ضدَّ له، الذي يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير.
والتوحيد قد عَرَّفه سيدنا الإمام الرفاعي رضي الله عنه وعنّا به فقال: هو وجدان تعظيم في القلب يمنع عن التعطيل والتشبيه.
والبراهين على التوحيد قائمة في كل شئ، وبادية من كل شئ، لا يجهلها إلا من سفه نفسه.
وفي قول (محمد رسول الله)، نَشْرٌ لِلِواءِ التصديق لمُعَلِّم الخير، المُبَلِّغ الأعظم، على رأس المُتََبِّع المؤمن المطيع، لتحصل له الولاية العامة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى (النبيُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم)، وبدوام الذكر طمأنينة القلب، وحسن الذكر في الملأ الأعلى.
وبكثرة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، بركة الامتثال لأمر الله، والموافقة لله ولملائكته عليهم السلام، ونور القلب والوجه، والصلاة من الله على العبد، وهي الرحمة المحيطة التي تجيز، بإذن الله، العبدَ على الصراط، وتحسُن بها العاقبة إن شاء الله تعالى.
وحيث حصل التنبيه على قول (لا إله إلا الله) فقد لزم أن نذكر شيئاً مما يتعلق بالذكر. عن أبي رزين رضي الله عنه أنه قال: قال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (ألا أدُلُّك على ملاك هذا الأمر الذي تصيب به خير الدنيا والآخرة؟ فعليك بمجالس الذكر، وإذا خلوت فحرِّك لسانك ما استطعت بذكر الله، وأحب في الله، وأبغض في الله يا أبا رزين، هل شعرت أن الرجل إذا خرج من بيته زائراً أخاه شيَّعه سبعون ألف ملك كلهم يصلون عليه ويقولون: ربنا وصل فيك فصِلهُ، فإن استطعتَ أن تعمل بجسدك في ذلك فافعل).
قلت: قال الله تعالى (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا)، ومن مفهوم هذه الآية الكريمة، ومن مفهوم قول الله تعالى (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون)، أخذ القوم بنص "الله" أو "يا الله"، والذكر الأتم الذي يشتمل على أحكام العلم هو الذكر بنص "لا إله إلا الله".
قلتُ: قال صلى الله عليه وسلم (كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله)، وقد أجمع أهل العلم أن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم كان شغلهم في خمسة أشياء، قراءة القرآن، وعمارة المساجد، وذكر الله تعالى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
وعن عمارة بن صياد، عن سعيد بن المسيَّب، أنه سمعه يقول في الباقيات الصالحات: ( أنها قول العبد: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)، وأسند النسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (استكثروا من الباقيات الصالحات)، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال (التكبير والتهليل والتسبيح والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله).
وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء (عليك بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنهن يحططن الخطايا كما تحط الشجرة
ورقها)، وقال عليه الصلاة والسلام (أفضل ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله)، وقال سبحانه (فاذكروني أذكركم).
وفي الحديث القدسي (من ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأ خير منه)، وفي هذا المقدار لمن يعتبر في فضل الذكر كفاية.
وأما الصلاة، فهي بعد الإيمان بالله تعالى أشرف العبادات، وأجلّ الطاعات، وهي عماد الدين، قال صلى الله عليه وسلم (الصلاة عماد الدين، فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين)، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي في الليل حتى تورمت قدماه، فقيل له : لم تصنع هذا وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال (أفلا أكون عبداً شكورا).
وإنما الصلاة شُرِّعَت شُكراً لنعمة البدن، وما يصل إليه من المِنَن، ويُدفع عنه من النوائبِ والمِحن، ولما استقر في السر من نعمة الإيمان، ونور الإذعان والإيقان، ومحو ظُلمة السوء والبطلان، والكفر والظلم والعدوان، فتكون حينئذ الصلاة شكراً لأنعم الله الظاهرة والباطنة، وبالشكر تدوم النعم وتندفع الظُلَم.
قال الله تعالى (أقم الصلاة طرفيّ النهارِ وزُلَفاً من الليل إن الحسناتِ يُذهبن السيئاتِ ذلك ذكرى للذاكرين)، وقال تعالى (اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، وقال المفسر الأعظم صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمُنكر لم يزدد من الله إلا بُعدا).
وقال شيخ الطريق، وصدر التابعين الإمام الحسن البصري، ومثله قال قتادة رضي الله عنهما: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فليست صلاته بصلاة، وهي وبالٌ عليه، ألا ترى أن الآية الكريمة صدرت (بإنّ) للتحقيق
والصلاة جاءت مُعَرَّفَة؟ أي على التحقيق لا مُحالة، الصلاة هي التي تنهى عن الفحشاء والمُنكر. وتدَبَّر، فإن الله تعالى أوجب على عبده الصلاةَ ومنعه عند أدائها عن الأكل والشرب، والكلام والحركة والسكون الذين ليسا من أجزاء الصلاة، وأمره باستقبال القِبلة التي ارتضاها لمناجاته وجهةً، ولمحاضرتِهِ طريقا، ومنعِهِ عن الإلتفات في الصلاة إلى غيره، بل أمره بالتوجُّه إليه في ظاهرهِ وباطنه، ليولّي وجهة قلبه ووجهه إلى وجه الله، كما قال تعالى (فأينما تولّوا فثَمَّ وجهُ الله).
فيكمل حال صدقه، ويتم صدق حاله، ويستعد لمحاضرة ربه، ويزداد يقيناً بوعد ربه ووعيده، ويجاهد في الله بكلِّهِ، وهنالك يكون الحظ الأوفر من سِرِّ قوله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبُلنا)، فتحِفُّه أنوارُ الهداية بباطنه وظاهره، ويكون مع الأنبياء والأولياء والصالحين مُنَعَّماً إن شاء الله في الجنة بالنظر إلى وجهه الكريم.
والحُكم في الصلاة إقامتها على نص أحد المذاهب الأربعة المتبعة في الإسلام؛ فإن الله جمع كلمة المسلمين على المذاهب الأربعة، أعني مذهب إمامنا الشافعي، والإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام أحمد، وكلهم على هدى حملوا لنا شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاطوا بأكثر أسرارِها وأحكامِها، فاجتمعت براهينُ الشريعةِ وأحكامُ أصولها وفروعها في مذاهبهم، وهم أعلم ممن بعدهم بنصوص الشريعة، وفصول السُنّة السُنِّية، ودقائق الأحكام الدينية.
ولم يُنقل عنهم نص أصلي أو فرعي إلا وهو من لباب شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فالتفلسفُ بعد تنقيح أحكام الشرعِ الشريف وجمعها في هذه المذاهب الأربعة والازدلاف إلى الرأي من تزيين الشيطان،
ولا ينفع زعم الأخذ بالحديث الشريف كما ذهب إلى ذلك بعض الطلاب وذلك لنقصٍ في العلم، ولعدم الإحاطة الكاملة في الأسانيد ومعرفة الرواة وأخبارهم، ولعدم التبحُّر في تفسير كلام الله كل التبحُّر مع الوقوف المحيط على عمل النبي صلى الله عليه وسلم، وكل المعرفة بأسرار أعماله واختلاف مشارب الصحابة ومذاهبهم وأذواقهم فيما كان من ذلك فرعاً أو أصلا.
فقد يعدل الصحابي عن العمل بقولٍ صحيح ويعمل بعملٍ صحيحٍ رآه من الحبيب المليح صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يكون من قبيل المباينة بين القول والعمل، بل هو من قبيل التوسعة في الدين، قال تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج).
ولهذا جاء (اختلاف أمَّتي رحمة) والاختلاف ما هو بالخلاف، فليحفظ.
ومن أسرار الصلاة تكرّرها في اليوم والليلة خمس مرات لتتواصل أنوار المحاضرة مع الله في القلب، فيذكر العبد موقفه بين يديّ ربه وقيامه لديه مسؤولاً عما أسرَّ وأعلن، وهنالك لا يظلم بين الصلاتين أحداً، ولا يعدو على أحد، ولا يحتقر أحداً، ولا يطمع فيما لا يجوز له به الطمع، ولا يكذب ولا يخون ولا يُهين أحداً من المخلوقين، ولا يغفل عن الله فيطغى، ويرى الآخرة خيراً من الأولى، ويجعل أعماله لله ولنفع عباد الله، فيأتي حينئذٍ بالصلاة المعرفة المرْضية التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، ومتى انتهى عن الفحشاء والمنكر فقد صلّى الصلاة التي افترضها الله عليه، وجاء بالركن الأعظم بعد الإيمان من أركان الإسلام.
وليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي في
ثلاثة أوقات، عند طلوع الشمس حتى ترتفع، وعند زوالها حتى تزول، وعند تضيّفها للغروب حتى تغرب، وقال عليه الصلاة والسلام (ما من امرئٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفّارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة)، والإحسان في الوضوء أن يأتي بجميع فرائضه وسننه وآدابه كما نصّ في مذهبه الذي يتمذهب به.
ولهذا السرّ يجب عليه التعلم من علماء مذهبه أحكام صلاته ووضوئه، وأن يتفقه عليهم بأمر دينه حتى يكون مهبطاً للخير الإلهي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين)، ومتى حصلت له بركة الفقه في الدين، قامت به الخشية من الله، وظهر في كُلِّه الخشوعُ لله، وعرف رتبة المحاضرة في مقام العبادة مع الله.
قال صلى الله عليه وسلم (إنما الصلاة تمَسْكُنٌ وتواضعٌ وتضرُّع)، ورأى عليه الصلاة والسلام رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال، أرواحنا لجنابه المحمدي الفداء، (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه). وفي الخبر الشريف (لا ينظر الله إلى صلاة رجلٍ لا يحضر فيها قلبه مع بدنه)، وقال عليه الصلاة والسلام (إن الله مُقبلٌ على المُصلّي ما لم يلتفت)، أي ما لم يلتفت إلى أمور الدنيا فيشغل قلبه بالدار والجار والمرأة والدينار وأشباه ذلك.
وإلاّ فالتفاتُهُ إلى أمور الآخرة والتفكُّرِ بأحوالها والاعتبار بعالم الأرواح والملائكة وسيرة النبيّين وصلاتهم وخشوعهم وأحوالهم، لا يكون مُنكَرا، يدُلُّك على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (من صلّى ركعتين لم يًحَدِّث فيهما نفسَه بشئ من الدنيا غفر الله له ما تقدّم من ذنبه).
وذهب بعض الأئمة الأجِلاّء رضي الله عنهم إلى أن أنين العبد وبكاءه
ولو بصوتٍ عالٍ في الصلاة إذا كان من ذكر الجنة أو النار أو من خشية الله لا يكون كل ذلك مُفسِداً للصلاة؛ لأنه يدل على زيادة الخشوع لله والخشية منه تعالت قدرته، وإلا إذا كان ذلك بسبب وجعٍ أو مصيبةٍ أو أمرٍ من أمور الدنيا فإنه يُفسد الصلاة.
ويجب تدارك حفظ القلب في الصلاة من الخواطر الدنيوية الشاغلة عن الخشية لله والتقرُّب منه، ولا يمكن ذلك إلا بذكر الموت، ودوام ملاحظة القدوم على الله تعالى، واستحقار الدنيا وزينتَها، والتجرُّد بالكُلِّية عنها حالة المحاضرة مع الله سبحانه وتعالى.
وأما الزكاة، فهي من أفضل الصدقات، ولها أسرارٌ كثيرة، وبركاتٌ وفيرة، قال الله تعالى (مثل الذين يُنفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّةٍ أنبتت سبعَ سنابل في كلِّ سنبُلةٍ مائة حبة والله يضاعِفُ لمن يشاء والله واسع عليم)، وقال تعالى (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يُتبعون ما أنفقوا مَنّاً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون).
ومثلُ هذه الآيات الكريمة يشملُ الزكاةَ وغيرَها من الصدقات، وأشرف الصدقات وأجلّها وأتمّها قُبولاً الزكاة. وإنمّا شُرِّعَتْ الزكاةُ لدفعِ حاجةَ الفقراء والمساكين لئلا يشغلهم الفقرُ عمّا خُلقوا له من العبادة لله تعالى.
وهي بنصابها المقرَّر شرعاً ضربةُ لازب، لا بد للمسلم من إيتائها فإن الله تعالى لم يأمر بالصلاة إلا وألحق الأمر بعدها بالزكاة على الغالب إعظاماً لشأنِ الزكاة.
ومن أسرارِها الحثُّ على الكسبِ من الحلال والإنفاقِ من الحلال على النفس وعلى الغير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (على كل مسلم صدقة)،
قالوا: فإن لم يجد؟ قال (فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق) قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال (فيُعين ذا الحاجة والملهوف)، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال (فيأمر بالخير)، قالوا: فإن لم يفعل؟ قال (فيمسك عن الشر فإنه له صدقة).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، جعل الله صدقة السر في التطوع أفضل من علانيتها، وجعل صدقة الفريضة، أعني الزكاة، علانيتُها أفضل من سرها. ففضَّلَ علانيةَ صدقة الزكاة ليعلم القائم بهذه الفريضة، وليقتدي به غيره، ولتعلن كلمة الله في الفرائض، فتقوم بها عصائب المسلمين إعظاماً للحُكم، وفي ذلك من المنافع مادةً ومعنى ما لا يخفى على درب له شمّةٌ من علم الشريعة المطهرة.
وقد عرفتَ أيها المُحِب أن الإسرار في النوافل كلها، والإعلان في الفرائض كلها من آداب الشرع الشريف، فاجعل تلك القاعدة دستورا لأعمالك، واعمل لله، وابذل في الله، وانفع نفسك وغيرك فيما يُرضي الله يحصل لك الرضاءَ من الله والمددَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتغدو في أمان الله والحمد لله رب العالمين.
وأما الصوم، فقد شُرِّعَ لقهرِ النفس الحيوانية، وإخماد ثائرتِها الشهوانية، وأنموذجاً عن التساوي الأخرَويّ بين الناس، كبارها وصغارها.
وفيه حثٌّ أيضاً على الكسبِ الحلال، والبذلِ الحلال؛ فإن الصائم يحب أن يوسِّع في رمضان على أهله وعيالِهِ ونفسه، وأن يتصدّق على الفقراء، ولا يُقبَل ذلك إلا من مالٍ حلال.
ومن هذا السر تفهم أنّ الشرعَ حثّكَ على العملِ الصالح، وجمْعِ المال من الطريقِ الحلال، واستهلاكه في الطريق الحلال، وخير الصيام صيامُ رمضان لكونه من فرائضِ الله، وبعده فلا حرج في الدين.
ومن أسرار الصوم، صَونِ القلب والجوارح ليكمل للصائم العمل الصالح؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من لم يترك قولَ الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يترك طعامَه وشرابه)، وقال عليه الصلاة والسلام (خمس يفطِّرْنَ الصائم، الغيبة والكذب والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة)، ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام (يُفطِّرْن)، أي يُفسِدْن، يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (كم من صائمٍ ليس له من صومِه إلا الجوع والعطش).
ومن أسرار الصوم عند الصِدِّيقين، رفعُ الحُجُبِ عن القلب، وطردُ الشيطان، فينظر الصائم العارف بعين قلبه إلى ملكوت السماء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لولا أن الشياطينَ يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء)، وتفسيرا لسِرِّ هذا المعنى الكريم قال عليه الصلاة والسلام (لا يدخل ملكوت السماء من ملأ بطنه)، أي لا يدخل بهِمَّتِه وصحيح فكرته، ولا يرى ببصيرته حقائق ملكوت السماء لحجاب الشَبَع.
وهذا الأدبُ جارٍ في أيام الصوم وغيره، أعني عدم الشبع، فلا يملأ الحكيمُ العاقلُ بطنَه، فإنه شرُّ وعاء يملأه. وقد علمنا أن الصائم العارف يسعى لتزييد المال الحلال، من الطريق الحلال، وينفع بماله الفقراء وذوي الحاجات، ولا يسيء أحداً لا بيده ولا بلسانه، ويكون نفعاً عاما، فتراه كالغيث، أين وقع نفع، وكذلك أهل الإيمان والله المستعان.
وأما الحج، فشرطه الإستطاعة، قال الله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ملك زاداً وراحلةً تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانيا)، يعني إذا ملك الزاد له ولعياله، إن كان ذا عيال، والراحلة، ولم يكن له حائل يمنعه عن
بيت الله، لا في نفسه ولا في حاله، وتقاعدَ عمداً عن الحج فقد وقع في خطر الحديث الشريف.
ومن آداب الحج، أن يتوب المرء حالة تأهبه للحج، وأن يقضي ديونه، ويُرضي خصومه، وأن يتخذ رفيقاً صالحاً للطريق، وأن يوسِّعَ في طعامه وشرابه في الطريق، ويُليِّنَ الكلامَ مع المكاري والخادم إن كان له ذلك، وأن يرفق بالدابة؛ فلا يُحَمِّلها ما لا تطيق أويصعِّبَ عليها، وأن لا يتجاوز الحدَّ المعروفَ بزينة اللباس، وأن يترك فضول الكلام، وأن يُكثِر من تلاوة القرآن، وإن لم يكن قارئاً فليُكثِر من تلاوة فاتحة الكتاب، والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يذكُرَ اللهَ كثيرا.
وعليه أن يتفكَّرَ ويتدبَّر في حِكَم الحج، فإن منها الحث على اقتناء المال الحلال، ومنها التعارف مع الإخوان، والوقوف على أحوال الشعوب والقبائل وصنوف الأمة في الأصقاع البعيدة، فيتعلم ما يَحسُن، ويتباعد عما يقبح، وينتصر للمظلوم، ويقتدي بالصالحين، وتعلو في الله همته، فيعْلَمَ العلم اليقين أن حفلة الدين لا تقوم إلا بالأمن والأمان وراحة البال وطيب المال وقوة الرجال، ويرى قيام الصفوف في الله، فيعمل مع الجماعة لا يشذ عن إخوانه المسلمين والنبي صلى الله عليه وسلم قال (يد الله مع الجماعة) الحديث.
فلا يخالف سواد المسلمين شاذّاً مُبتدعاً، ولا زالاًّ مُلحدا، ولا ينقُض عهداً، ولا يشُقَّ العصا، ولا يندمج فيمن عصى، يكون بما يكسبه إياه نظره من العبرة في صف الذين يتعاونون على البر والتقوى، ولا ينخرط في صف أُناسٍ يتعاونون على الإثم والعدوان، يترك الهجر والهُجر، ويعمل بالخير والبر.
ومن حِكَمِه العالية، أعني الحج، أن الله تعالى جعله رهبانية لأمة محمد صلى الله
عليه وسلم، وجعل سفَرَهُ مِثالاً لسفِرِ الآخرة، فيتذكر الحاج في سفره ووداع أهله وداع الأهل في سكرات الموت، ويتذكر من مفارقة الوطن الخروج من الدنيا، ومن التفافه بالإحرام الالتفاف بالكفن، وهنالك يكون مُتنبِّهاً يقِظاً، لا يظلم ولا يطغى ولا يتكبر، ولا يرى له على غيره مَزِيَّة، ويُعرض عن الدنيا الدَنِيَّة بقلبه وكلِّه، ويجمعها من الحلال ليُنفقها في الله ذريعة يتخذها للنجاة في يوم العرض على المَلِك الدَيَّان، إذا قَدِمَ عليه عارياً أشعثَ أغبر، لا فرق بينه وبين عبده يتطلب فضل الله، ويترقَّب رحمة الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي هذه الأركان الكريمة، فعلى المسلم أن يتعلم من علماء مذهبه الذي يتمذهب به أحكامها وفرائض الأعمال المُنضمَّة بها، والسُنَن المُندمِجة فيها، وأن يُخلِصَ في أعماله، ويجمع بين صحيحِ حالِه وصادقِ مقالِه، وأن يُنزِّهَ نفسَه عن النقائص، ويتحلّى بأشرف الخصائص، ويتحقق بالإخلاص المحض، ألا لله الدين الخالص.
كتاب مراحل السالكين
للامام الرواس قدس الله سره
احب العلم
احب العلم
عضو ذهبي
عضو ذهبي

وسام التميز : أول المراحل: القيام بأركان دين الإسلام الخمسة Katip
ذكر عدد المساهمات : 62
مرشد*مريد*مداح : مريد

خدمات المنتدى
مشاركة الموضوع:
ابوصفاءالدين السلطان
ابوصفاءالدين السلطان
مؤسس الشبكة ومن كبار الشخصيات
مؤسس الشبكة ومن كبار الشخصيات

وسام التميز : أول المراحل: القيام بأركان دين الإسلام الخمسة Katip
ذكر عدد المساهمات : 1858
مرشد*مريد*مداح : مداح

خدمات المنتدى
مشاركة الموضوع:
الاعجاب بموقع الرفاعيه:

https://smrxxl.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أول المراحل: القيام بأركان دين الإسلام الخمسة Empty رد: أول المراحل: القيام بأركان دين الإسلام الخمسة

مُساهمة من طرف احب العلم الجمعة مارس 04, 2011 4:07 am

اخي الفاضل ابو صفاء الدين المحترم
مروركم قدأنارصفحاتي بشعاع الشمس حينما تشرق
وجزيتم من الرحمن خيرالجزاءوالشكرموصول لكم
احترامي لكم وفقكم الله ورعاكم.
احب العلم
احب العلم
عضو ذهبي
عضو ذهبي

وسام التميز : أول المراحل: القيام بأركان دين الإسلام الخمسة Katip
ذكر عدد المساهمات : 62
مرشد*مريد*مداح : مريد

خدمات المنتدى
مشاركة الموضوع: