إن تجلي الحق عز وجل على الوجود يقع في قوسي الإحاطة لدائرة الوجود ، وهما قوس الجلال وقوس الجمال ، وقد ظهر آدم عليه السلام بصورة مظهر الجلال وقد سجدت له الملائكة فكان هو المعلم المطاع وكان السبب في طرد إبليس من الجنة لعدم امتثاله للسجود ، وبذلك كانت القيومية لآدم وأبنائه الذكور من بعده . وعندما خلق الحق عز وجل حواء عليها السلام من آدم كانت هي ( نفس) آدم عليه السلام ، وهي النفس الكلية التي انبثقت منها الأنفس : ما خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( لقمان28 ) . وهي المودة التي انطوى عليها باطن آدم وذريته والموطن الذي فيه يسكنون : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم21) ، أما حواء عليها السلام وذريتها من النساء ، كانت مظهر الجمال الذي انجذب إليه آدم وذريته ، فكان الرجل هو السماء التي تنظر إليها المرأة لأنه القوس الأعلى ( قوس الجلال ) وكانت المرأة هي الأرض التي ينظر إليها الرجل لأنها القوس الأدنى وهو ( قوس الجمال ) وبذالك كان الكمال ولا يزال .
وقال أحدهم ( الجلال رقيب القلب والجمال شفيع النفس ) وبهما كملت دائرة الوجود . لذلك كان كل أنبياء الله على نبينا وعليهم الصلاة والسلام من الرجال : نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (البقرة223 ) . وهي الأم التي يتكون الإنسان في أحشائها ويخرج للوجود . وهكذا يعيد الإنسان نفسه . ورد في الحديث الشريف : إذا تَزوَّجَ العَبدُ فقد كَمَّلَ نِصفَ الدِّين ، فَلْيتَّقِ اللهَ في النِّصفِ الباقي ( شعب الإيمان للبيهقي 5246 ) ، وإن مسؤولية صلاح المرأة التي هي الأرض وسلامة عملية الإنبات هي من مسؤولية الرجل لأنه ( الفلاح ) الذي يغرس الأرض ويجني الثمار ، وتتحمل الأرض مسؤولية الإنبات أي إنها تنتج ما يغرس فيها إذا أحسن الفلاح عملية الغرس كاملة ، وحافظ على التربة من كل ما يفسدها ، وبذل الجهد لتطهيرها من الشوائب ، وتكمن العلاقة الطيبة التي تشرق منها شموس الجلال والجمال في الرجل والمرأة في قوله تعالى : إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الأحزاب35 ) ، وبهذا يكون صلاح العائلة والمجتمع من مسؤولية الرجل أولا والمرأة ثانياً . ولا تفسد النساء إلا بفساد الرجال ، لأنهم القوّامين على النساء ويتحملون مسؤولية إعداد وتأهيل المرأة ، ولا ننسى أن لكل قاعدةٍ شواذ . وقال أحدهم :
الأمُّ مَدرَسةٌ إذا أعْدَدْتَّها أعْدَدْتَّ شَعباً طَيِّبَ الأعْراقِ
وأخطر الوسائل لإفساد النساء والمجتمعات هي ( الأمية والفقر والتهميش والحرمان بكل أنواعه ، والتفكّك الأسري ، وأكل الحرام وإشاعة الفاحشة والظلم ، وأعراف التخلف وغياب القوانين التي تحمي الأسرة والمرأة ، والبطالة التي تحرم الإنسان من تأمين وسائل العيش ومتطلبات الحياة ) ، والرجل راعي لأسرته وبفساده تفسد أسرته ورعيته ، وبذلك يفقد قيمته ورجولته ويسقط من بهاءه
لأن عزَّة الرجال في طُهر النساء ، وإذا فسدت المرأة فقدت جمالها وأصبحت مُبتذلة لا تنبت إلا نَكداً ، لأن الرجل في عين المرأة ، وإذا سقط من عينها زال تأثيره ، لأنها المرآة العاكسة لنفس الرجل التي قال فيها الحق عز وجل : وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها . فَألْهَمَها فُجورَها وَتَقْواها . قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها . وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ( الشمس 7 ، 8 ، 9 ، 10 ) ، والمرأة هي الأم والأخت والزوجة والبنت وهي الشريك الساند للرجل في مسيرة الحياة وتجاوز الصعاب ، والرجل هو الخيمة والشجرة التي تستظل المرأة بظلِّها وتقتات على ثمارها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ، وصل اللهم على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .