إن كانت هذه شهادات علماء الامة الاسلامية في التصوف فيجدر لكل صاحب دين وعقل ومبادئ التمسك بمنهج التصوف القويم والله المستعان على ما نقول .
وصلى الله تعالى على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
شهادة علماء الأمة الإسلامية للصوفية والتصوف
الإمام أبو حنيفة : نقل الفقيه الحنفي صاحب الدر المختار : أن أبا علي الدقاق قال : أنا أخذت هذه الطريقة من أبي القاسم النصراباذي ، وقال أبو القاسم : أنا أخذتها من الشبلي ، وهو من السري السقطي ، وهو من معروف الكرخي ، وهو من داود الطائي ، وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة ، وكل منهم أثنى عليه وأقر بفضله ." ثم قال صاحب الدر معلقاً : " فيا عجباً لك يا أخي ! ألم يكن لك أسوة حسنة في هؤلاء السادات الكبار ؟ أكانوا متهمين في هذا الإقرار والافتخار ، وهم أئمة هذه الطريقة وأرباب الشريعة والطريقة ؟ ومن بعدهم في هذا الأمر فلهم تبع ، وكل من خالف ما اعتمدوه مردود مبتدع .
يقول ابن عابدين رحمه الله تعالى ، في حاشيته متحدثاً عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى : هو فارس هذا الميدان ، فان مبنى علم الحقيقة على العلم والعمل وتصفية النفس ، وقد وصفه بذلك عامة السلف ، فقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في حقه : إنه كان من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد ، ولقد ضرب بالسياط ليلي القضاء ، فلم يفعل . وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى : ليس أحد أحق من أن يقتدى به من أبي حنيفة ، لأنه كان إماماً تقياً نقياً ورعاً عالماً فقيهاً ، كشف العلم كشفاً لم يكشفه أحد ببصر وفهم وفطنة وتقى . وقال الثوري لمن قال له : جئت من عند أبي حنيفة : لقد جئت من عند أعبد أهل الأرض . وقال فيه الشافعي الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة .
الإمام مالك : يقول : من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن جمع بينهما فقد تحقق .
الإمام الشافعي : يقول : حبب إلي من دنياكم ثلاث : ترك التكلف ، وعشرة الخلق بالتلطف ، والاقتداء بطريق أهل التصوف .
الإمام أحمد بن حنبل : كان رحمه الله تعالى قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله : يا ولدي عليك بالحديث ، وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية ، فإنهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه . فلما صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي ، وعرف أحوال القوم ، أصبح يقول لولده : يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم ، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة .
فخر الدين الرازي : قال : اعلم أن أكثر من حصر فرق الأمة لم يذكر الصوفية وذلك خطأ ، لأن حاصل قول الصوفية أن الطريق إلى معرفة الله تعالى هو التصفية والتجرد من العلائق البدنية ، وهذا طريق حسن .. وقال أيضاً : والمتصوفة قوم يشتغلون بالفكر وتجرد النفس عن العلائق الجسمانية ، ويجتهدون ألا يخلو سرهم وبالهم عن ذكر الله تعالى في سائر تصرفاتهم وأعمالهم ، منطبعون على كمال الأدب مع الله عز وجل ، وهؤلاء هم خير فرق الآدميين .
عبد الله الصديق الغماري : إن التصوف كبير قدره ، جليل خطره ، عظيم وقعه ، عميق نفعه ، أنواره لامعة ، وأثماره يانعة ، واديه قريع خصيب ، وناديه يندو لقاصديه من كل خير بنصيب ، يزكي النفس من الدنس ، ويطهر الأنفاس من الأرجاس ، ويرقي الأرواح إلى مراقي الفلاح ، ويوصل الإنسان إلى مرضاة الرحمن . وهو إلى جانب هذا ركن من أركان الدين ، وجزء متمم لمقامات اليقين .
العز بن عبد السلام : قال : قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تنهدم دنيا وأخرى ، وقعد غيرهم على الرسوم ، مما يدلك على ذلك ما يقع على يد القوم من الكرامات وخوارق العادات ، فانه فرع عن قربات الحق لهم ، ورضاه عنهم ، ولو كان العلم من غير عمل يرضي الحق تعالى كل الرضا لأجرى الكرامات على أيدي أصحابهم ، ولو لم يعملوا بعلمهم ، هيهات هيهات" .
الشيخ محمد أمين الكردي : ينبغي لكل شارع في فن أن يتصوره قبل الشروع فيه ؛ ليكون على بصيرة فيه ، ولا يحصل التصور إلا بمعرفة المبادئ العشرة المذكورة ..
فحدّ التصوف : هو علم يُعرف به أحوال النفس محمودها ومذمومها ، وكيفية تطهيرها من المذموم منها ، وتحليتها بالاتصاف بمحمودها ، وكيفية السلوك والسير إلى الله تعالى ، والفرار إليه ..
العلامة الشريف الجرجاني : التصوف مذهب كله جد فلا يخلطونه بشيء من الهزل ، وهو تصفية القلب عن مواقف البرية ، ومفارقة الأخلاق الطبيعية ، وإخماد صفات البشرية ، ومجانبة الدعاوي النفسانية ، ومنازلة الصفات الروحانية ، والتعلق بعلوم الحقيقة واستعمال ما هو أولى على السرمدية ، والنصح لجميع الأمة ، والوفاء لله تعلى على الحقيقة ، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشريعة .
ابن خلدون : هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة ، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية ، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى ، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها ، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه ، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة . وكان ذلك عاماً في الصحابة والسلف ، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده ، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا ، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية .
■ الشيخ تاج الدين السبكي : قال عن الصوفية : حيّاهم الله وبيّاهم وجمعنا في الجنة نحن وإياهم . وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعباً ناشئاً عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المتلبسين بها ، بحيث قال الشيخ أبو محمد الجويني : لا يصح الوقف عليهم لأنه لا حد لهم . والصحيح صحته ، وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة ... ثم تحدث عن تعاريف التصوف إلى أن قال : والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجى الرحمة بذكرهم ، ويستنزل الغيث بدعائهم ، فرضي الله عنهم وعنا بهم .
القاضي زكريا الأنصاري : قال عن التصوف : هو علم تعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية الأخلاق ، وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية .
جلال الدين السيوطي قال : إن التصوف في نفسه علم شريف ، وإن مداره على اتباع السنة وترك البدع ، والتبري من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها ومراداتها واختياراتها والتسليم لله والرضى به وبقضائه ، وطلب محبته واحتقار ما سواه .. وعلمت أيضاً أنه قد كثر فيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم ، فأدخلوا فيه ما ليس منه ، فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع ، فوجه أهل العلم للتمييز بين الصنفين ليعلم أهل الحق من أهل الباطل ، وقد تأملت الأمور التي أنكرها أئمة الشرع على الصوفية فلم أر صوفياً محققاً يقول بشيء منها ، وإنما يقول بها أهل البدع والغلاة الذين ادعوا أنهم صوفية وليسوا منهم .
الشيخ محمد أبو زهرة : نحن في عصرنا هذا أشد الناس حاجة إلى متصوف بنظام التصوف الحقيقي وذلك لأن شبابنا قد استهوته الأهواء وسيطرت على قلبه الشهوات.. وإذا سيطرت الأهواء والشهوات على جيل من الأجيال أصبحت خطب الخطباء لا تجدي ، وكتابة الكتاب لا تجدي ، ومواعظ الوعاظ لا تجدي ، وحكم العلماء لا تجدي ، وأصبحت كل وسائل الهداية لا تجدي شيئاً .
إذاً لا بد لنا من طريق آخر للإصلاح ، هذا الطريق أن نتجه إلى الاستيلاء على نفوس الشباب ، وهذا الاستيلاء يكون بطريق الشيخ ومريديه ، بحيث يكون في كل قرية وفي كل حي من أحياء المدن وفي كل بيئة علمية أو اجتماعية رجال يقفون موقف الشيخ الصوفي من مريديه .
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي : الصوفي يتقرب إلى الله بفروض الله ، ثم يزيدها بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام ، من جنس ما فرض الله ، وأن يكون عنده صفاء في استقبال أقضية العبادة فيكون صافياً لله ، والصفاء هو كونك تصافي الله فيصافيك الله . والتصوف رياضة روحية لأنها تلزم الإنسان بمنهج تعبدي لله ما فرضه . وهذه خطوة نحو الود مع الله . وهكذا يمن الله تعالى هؤلاء المتصوفين ببعض العطاءات التي تثبت لهم أنهم على الطريق الصحيح ، تلك العطاءات هي طرق ناموس ما في الكون ، ويكون ذلك على حسب قدر صفاء المؤمن ، فقد يعطي الله صفحة من صفحات الكون لأي إنسان ، فينبئه به أو يبشره به ليجذبه إلى جهته . وعندما يدخل الصوفي في مقامات متعددة وجئنا بمن لم يتريض ولم يدخل في مقامات الود وحدثناه بها ، فلا شك أنه يكذبها ولكن تكذيبها دليل حلاوتها . والمتصوف الحقيقي يعطيه الله أشياء لا تصدقها عقول الآخرين ، ولذلك فعليه أن يفرح بذلك ولا يغضب من تكذيب الآخرين له .
الدكتور أبو الوفا التفتازاني : ليس التصوف هروباً من واقع الحياة كما يقول خصومه ، وإنما هو محاولة الإنسان للتسلح بقيم روحية جديدة ، تعينه على مواجهة الحياة المادية ، وتحقق له التوازن النفسي حتى يواجه مصاعبها ومشكلاتها .
وفي التصوف الإسلامي من المبادئ الإيجابية ما يحقق تطور المجتمع إلى الأمام فمن ذلك أنه يؤكد على محاسبة الإنسان لنفسه باستمرار ليصحح أخطاءها ويملها بالفضائل ، ويجعل فطرته إلى الحياة معتدلة ، فلا يتهالك على شهواتها وينغمس في أسبابها إلى الحد الذي ينسى فيه نفسه وربه ، فيشقى شقاء لا حد له . والتصوف يجعل من هذه الحياة وسيلة لا غاية ، وبذلك يتحرر تماماً من شهواته وأهوائه بإرادة حرة .