مَوقِع الطَريقَة الرِفاعيَة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الطرق الصوفية: أهداف وغايات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابوصفاءالدين السلطان
مؤسس الشبكة ومن كبار الشخصيات
مؤسس الشبكة ومن كبار الشخصيات
ابوصفاءالدين السلطان


وسام التميز : الطرق الصوفية: أهداف وغايات  Katip
ذكر عدد المساهمات : 1858
مرشد*مريد*مداح : مداح

خدمات المنتدى
مشاركة الموضوع:
الاعجاب بموقع الرفاعيه:

الطرق الصوفية: أهداف وغايات  Empty
مُساهمةموضوع: الطرق الصوفية: أهداف وغايات    الطرق الصوفية: أهداف وغايات  Clock13الخميس أغسطس 19, 2010 3:40 am

- الطريقة: الدلالة والمفهوم

الطريق عند الصوفية هو إقامة ناموس العبودية الملازم لرحلة الإنسان الحياتية. هو الدرب الذي يسلكه بل يجب أن يسلكه ليعبر من فناء الفناء الى حضرة البقاء. إنه السلوك الذي يطبع شخصية صاحبه بطابع الإنسان المتكامل مع نفسه, الساعي أبداً إلى التكميل بغيره. إنه الخروج من وهم الغفلة وحب الزائل إلى الدخول في كنف الحقيقة وثبات الأبد. لذا يتفق الصوفية على أن غايات الطريق ونهاياته لا تصح إلا بصحة البداية(1). كما اتفقوا على أن أكثر الموانع وأكبر العوائق إنما تنشأ من فساد الابتداء. فتصبح بدايات السلوك وتوضيح الأسس التي يقوم عليها الطريق من أهم مقاصد الصوفية, لأن البداية كلما كانت أحكم كانت النهاية أتم وأسلم(2).

والسلوك إلى الله تعالى عبارة عن رفع التعينات القلبية والنفسية والروحية والسرية والحقية(3). أما سلوك الفقير الصوفي السائر في قطع مسافة النفس في المقامات والأحوال، أي في معارج مدارج رقيه الروحي، فإما أن يكون بالترقي أو التدلي، سواء كان متجردا في زاوية شيخه أو سائحا، أو من أهل الأسباب الذين يسعون للرزق، ويعملون لدنياهم ويعيشون في بيوتهم. وقد كثر الحديث والجدل حول هذه المنازل التي يقطعها السائر, فهي كالمراحل للمسافر(4).

إذن فالطريق عبارة عن مراسم الله تعالى المشروعة التي لا رخصة فيها(5).

وفي الفتوحات المكية يقول ابن عربي (ت 683هـ): (قيل: الحال تغير الأوصاف على العبد, فإذا استحكم وثبت فهو المقام. فإن قلت: وما المقام؟ قلنا: عبارة عن استيفاء حقوق المراسم على التمام, وغاية صاحبه أن لا مقام وهو الأدب. فإن قلت: وما الأدب؟ قلنا: وقتاً يريدون به أدب الشريعة, ووقتاً أدب الخدمة, ووقتاً أدب الحق. فأدب الشريعة الوقوف عند مراسمها وهي حدود الله. وأدب الخدمة الفناء عن رؤيتها مع المبالغة فيها برؤية مجريها. وأدب الحق أن تعرف ما لك وما له. والأديب من كان بحكم الوقت أو من عرف وقته.

فإن قلت وما الوقت؟ قلنا: ما أنت به من غير نظر إلى ماضٍ ولا إلى مستقبل. هكذا حكم أهل الطريق. فإن قلت: وما الطريق عندهم؟ قلنا : عبارة عن مراسم الحق المشروعة التي لا رخصة فيها من عزائم ورخص في أماكنها. فإن الرخص في أماكنها لا يأتيها إلا ذو عزيمة, فإن كثيراً من أهل الطريق لا يقول بالرخصة وهو غلط)(6).

ويشرح المحاسبي (ت 243 هـ) مفهوم الطريق انطلاقا من ممارسة الصوفي نفسه فيقول: (فإن مسألته -أي الصوفي- وجدته بصيراً بالطريق إلى الله -سبحانه وتعالى-. وإن أجاب أجابك بالوصف عن طريق قد سلكه, وعن آفات قد رفضها, وعن مكابدة قد جاهدها, وعن درجات في القرب من الله –سبحانه- بعلم قد ارتقى إليها. فدل المريدين على ابتدائه, وما عرض له من القواطع, وبأي شيء قطعها, وأنه لم يصل إلى السرور والراحة إلا بعد المكابدة والمجاهدة, لأن يتحملوا مثل ما لقي حتى يفضوا إلى الغنى والراحة والسرور)(7).

أما السهروردي (ت 632هـ) فيشرح طريق المريدين قائلاً: (المريدون وهم الذين شرط لهم الإنابة, فقال الله تعالى: ﴿ويهدي إليه من ينيب﴾ (الشورى: 13), فطولبوا بالاجتهاد أولاً قبل الكشوف. قال تعالى: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا﴾(العنكبوت:69) يدرجهم الله في مدراج الكسب بأنوع الرياضيات والمجاهدات، وسهر الدياجر وظمأ الهواجر. تتأجج فيهم نيران الطلب، وتتحجب دونهم لوامع الأرب. يتقبلون في رمضاء الارادة، وينخلعون عن كل مألوف وعادة. وهي الإنابة التي شرطها الحق -سبحانه وتعالى- لهم, وجعل الهداية مقرونة بها, وهذه الهداية آنفاً هداية خاصة, لأنها هداية إليه, غير الهداية العامة التي هي الهدى إلى أمره ونهيه بمقتضى المعرفة الأولى. وهذا حال السالك المحب المريد, فكانت الإنابة عين الهداية العامة, فأثمرت هداية خاصة, واهتدوا إليه بعد أن اهتدوا له بالمكابدات, فخلصوا من مضيق العسر إلى فضاء اليسر, وبرزوا من وهج الاجتهاد إلى روح الأحوال, فسبق اجتهادهم كشوفهم, والمرادون سبق كشوفهم اجتهادهم)(Cool.

2- طريق الصوفية

لقد حاولت الطرق الصوفية رسم الإطار العام الذي ينضوي تحته الجميع وصولاً إلى تحقيق مبدأ السعادة التامة وذلك من خلال الانسلاخ كلياً عن عالم الحس والمشاهدة, والتخلص من مادية الحياة, والارتقاء بالنفس والروح إلى مصافي الأنبياء, عندها يكون الإنسان قد وصل, وإذ ذاك يشعر بحقيقة إنسانيته. وفي ذلك يقول الإمام الغزالي (ت 505 هـ) في المنقذ من الضلال: (ماذا يقول القائلون في طريق طهارتها تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى, ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة, استغراق القلب بالكلية بذكر الله, وآخرها الفناء بالكلية في الله؟ وهذا آخرها بالإضافة إلى ما يكاد يدخل تحت الاختيار والكسب من أوائلها. وهي على التحقيق أول الطريقة, وما قبل ذلك كالدهليز للسالك إليه. ومن أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات, حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء, ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد. ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال على درجات يضيق عنها نطق النطق, فلا يحاول معبِّر أن يعبر عنها إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح لا يمكنه الاحتراز عنه)(9).

أما الطريقة عند أهل الحقيقة في عبارة عن مراسم الله تعالى وأحكامه التكليفية التي لا رخصة فيها, وهي المختصة بالسالكين إلى الله تعالى مع قطع المنازل والترقي والمقامات(10).

وبعدما تطور مفهوم الطريق من منهج أخلاقي للنفس يدبر عملياً ضروب السلوك الفردي, نراه يصبح مجموعة من مرسم التدبير الروحي المعمول به من أجل المعاشرة في الجماعات الإخوانية الإسلامية المختلفة, إلى أن أصبحت الطريق منهجاً يدل على المعاشرة القائمة على الرعاية الإسلامية العادية, وعلى سلسلة من الوصايا الخاصة, لكي يصبح الإنسان مريداً, ويتلقى المريد البيعة أو التقليد أمام طائفة من الشهود ذوي المراتب من شيخ السجادة والمرشد والمقدم والنقيب والخليفة(11).

إن ما انتهى إليه الطريق الصوفي في أيامنا الحاضرة هو عهد بين الشيخ المريد على التوبة والاستقامة, والدخول في طريق ذكر الله دائماً, والعمل بآداب وأصول الطريقة التي يتبعها المريد, مع القيام بأوراد وأحزاب شيخ الطريقة في المواعيد والمناسبات التي يحددها له.

3- طريق الشاذلية

المراد بالطريق هنا طريق السلوك إلى الله, وهي طريق الصوفية, ولها ظاهر وباطن. فظاهرها ما يتعلق بإصلاح الجوارح. وباطنها ما يتعلق بإصلاح العوالم الباطنية. فلأهل هذه الطريقة الخاصة كمال المعرفة والمراقبة للحق –سبحانه- في الحركات والسكنات والأنفاس واللحظات, حي يستوي سلطان الحق على القلوب, فيضمحل ما تعلقت به أو سكنت إليه من أحوال الدنيا وخطوبها(12).

والطريقة الشاذلية في حزبها تقوم على أصول خمسة هي: تقوى الله في السر والعلانية, وإتباع السنة في الأقوال والأفعال, والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار, والرضا عن الله تعالى في القليل والكثير, والرجوع إلى الله في السراء والضراء(13).

أما أركان الطريقة عندهم فهي أربعة: محبة وذكر وفكر وتسليم. وأهم هذه الأشياء هي المحبة الإلهية, لأنها قطب تدور عليه الدوائر, فمتى أحببته وذكرته, ومتى ذكرته فكرت فيه, وسلمت أمرك إليه(14).

أما الممارسة العملية الشاذلية فالطريقة عندهم محبة وصدق وحفظ أسرار الله, ولا يجوز إعطاء الطريق لمن لا يحفظها. فالفقير الصادق لا يتكلم بالحقائق على غير أهلها إلا إذا كان متمكناً من العلوم الظاهرة, خشية أن يخطئ في التعبير فيكفر دون أن يدري, ولذلك يجب عليه أن يتوب عن إعطاء الطريقة لمن لا يحفظها, فيما لو فعل ذلك, ويتوب عن التحدث بالحقائق أمام الناس(15).

4- الطريقة النقشبندية

تقوم الطريقة النقشبندية على التمسك بعقائد أهل السنة, وترك الرخص والأخذ بالعزائم, ودوام المراقبة, والإقبال على المولى, والإعراض عن زخارف الدنيا, بل وعن كل ما سوى الله, وتحضير ملكة الحضور, والخلوة في التحلي بالاستفادة والإفادة في علوم الدين, والتزيي بزي عوام المؤمنين, وإخفاء الذكر, وحفظ الأنفاس بحيث لا يخرج ولا يدخل نفس مع الغفلة عن الله الكريم, والتخلق بأخلاق النبي صاحب الخلق العظيم(16).

فخلاصة هذه الطريقة هي أن السالك يجعل عزيمة كل عمل وأحوطه كالواجب فلا يتركها بلا ضرورة ملجئة, ورخصته كالحرام لا يرتكبها ولا يقربها بلا داعية ضرورية, ويأخذ بالأحوط ولو عمل بالمذاهب الأربعة والاجتناب عن المهلكات والصفات الذميمة والتخلق بالأخلاق الحميدة(17).

أما حقيقتها فهي الحضور مع الله تعالى بدوام الذكر والفكر وعدم الغفلة عنه تعالى في جميع الأوقات, في الصلاة والتلاوة والذكر والأكل والشرب, وعند عمل صنعته, وفي الكثرة والوحدة والمحادثة والسكوت, وفي كل حركاته وسكناته ونشاطه وفتوره وغمه وسروره, بحيث لا يكون غافلاً عن الله تعالى في جميع حالاته, بل يكون حاضراً معه تعالى, ويلاحظ حضوره معه بالعكس, ويعتقد أنه لا حول ولا قوة ولا قدرة ولا قول ولا فعل إلا بالله ولا يضيع وقته بالخسران(18).

هذا والنقشبندية يشترطون للطريق شرائط لا بد منها حتى يستقيم حال المرء ويستوي باطنه مع ظاهره لئلا يعيش في ازدواجية المعنى أو انفصام في الحقيقة. ومن هذه الشرائط:

- الاعتقاد الصحيح والتوبة الصادقة والاستحلال من أرباب الحقوق ورد المظالم واسترضاء الخصوم, والتحقق بآداب السنة في الأمور كلها, والدقة والتحقيق على العمل بأصح الشريعة, والاهتمام على المجانبة من كل المنكرات والمبتدعات, والغيرة على التباعد من الهوى والمذمومات.

- ومنها أخذ البيعة والعهد الصحيح, والإنابة الرجيحة من شيخ كامل عالم عامل واصل إلى الشهود الذاتي, إلا أنه ببركة صحبته ينال السالك منه مقصوده بحسب اعتقاده فيه, هذا إذا كان عالماً. أما إذا كان جاهلاً فلا يصلح لأن يكون أهلاً للإرشاد, كما قال العلماء: من لم يكن في إحدى يديه (قال الله) وفي يده الأخرى (قال رسول الله) فهو في ظلمة الجهل المطبق, فلا يصل إلى الحق, فكيف يكون دليلاً ومرشداً لغيره.

- ومن شرائطها العلم والحلم وحسن الخلق والتواضع ولين الجانب وما يتشعب منها, وكذا تبجيل المشايخ ولا سيما تسليم وتفويض أمر المريد السالك نفسه إلى تربية شيخه ومرشده فيما يوافق الشرع.

- ومنها مراعاة الوقوف القلبي الذي هو الركن الأعظم في هذه الطريقة في الحقيقة.

- ومنها أن يكون زي أهلها كزي عوام المؤمنين, فلا يشترط فيها التاج والطيلسان وغير ذلك من الأزياء. وليس فيها الجهر بالذكر ورفع الصوت والحركات بالرقص والتغني والغفلة, فإن الذكر بلا حضور كمضمضة عطشان. وإنما الاعتماد عندهم على تصحيح العقائد اليقينية وخلوص النية ومحافظة القلب والطوية وقتل النفس بسيف المجاهدة في العبادات كلها(19). وانطلاقاً من هذه الشرائط وغيرها فقد بنى النقشبندية طريقهم على سلوك خاص يقوم على ستر الحال وإخفاء ما في البال, يعنون بذلك أنه يلزم على من وفقه الله تعالى لسلوك هذه الطريقة الخفية أن يحتجب بحجاب يتوارى به ليكون بعيداً عن نظر الخلق, فلا يطلع في طاعته على سره أحداً إلا الله, محرماً كان أو غير محرم, حتى لا يشتهر بين الناس حاله وشأنه. وقد سئل إمام الطريقة محمد بهاء الدين شاه نقشبند عن قاعدة مبنى هذه الطريقة العلية فقال: هو أن يكون السالك فيها ظاهره مع الخلق وباطنه مع الحق(20).

5- طريق الدرقاوية

من الطرق الشاذلية التي عرفت ازدهاراً واتساعاً في الشمال الإفريقي وتحديداً في المغرب, وتميزت هذه الطريقة بالاستقلال عن السلطة والانتقاد لها ورفض الشرك والشعوذة. وقد بلغ الأمر بمؤسسها محمد العربي الدرقاوي أن أمر أتباعه وتلاميذه بالاكتفاء بذكر (لا إله إلا الله) جهراً في التشهد, (ومحمد رسول الله) سراً. وقد كان لها نشاط تربوي في المجتمع المغربي وحماسة دينية شديدة قاومت المستعمر الأجنبي, وتكاد تشابه هذه الطريق طريق الجزولية الشاذلية بين الأهداف والغايات وتنظيماً(21).

6- طريق القادرية

ترتقي القادرية في نسبها إلى مؤسسها الأول الشيخ الإمام محي الدين عبد القادر الجيلاني (ت 561هـ). وفي هذه الطريق يرتقي السالك في معراجه الروحي من عالم الفناء الدنيوي، في عبور متواصل لدرجات السلم الروحي.

وتقوم هذه الطريق على مجاهدة النفس لتتخلص من كدورات المادة والصفات المذمومة, ولا يتأتى ذلك إلا بقطع مألوف العادات ومخالفة النفس وبالرياضة الروحية والمحاسبة والمراقبة الدائمة. يقول الشعراني (ت 973هـ) عنهم: كانت طريقة الجيلانية القادرية التوحيد وصفاً وحكماً وحالاً. وتحقيقه الشرع ظاهراً وباطناً, ويقول للمريدين: اتبعوا ولا تبتدعوا, وأطيعوا ولا تخالفوا(22).

وقد انتظمت هذه الطريق في مجموعة من القواعد والأحكام شكلت أهم خصال هذه الطريق وهي:

ترك الحلف بالله إطلاقاً, اجتناب الكذب في الجد والهزل, وعدم إخلاف الوعد, الحذر من إيذاء الخلق ولعنهم, تحمل ظلم الخلق واجتناب الدعوة عليهم, حسن الظن بأهل القبلة والحذر من الشهادة على أحد منهم بكفر أو نفاق, كف الجوارح عن النظر إلى المعاصي والهمّ إلى شيء منها لا ظاهراً ولا باطناً. رفع المؤونة عن الخلق والاستغناء عنهم, قطع الطمع عن النفس جملة والانقطاع إلى الله, التواضع لأنه أصل كل الطاعات, فهو مخ العبادة وغاية شرف الزاهدين الناسكين(23).

7- طريق التيجانية

تتميز طريق التيجانية منذ البداية بأن مؤسسها كان يرى أن جميع الأمور صادرة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-, فهي إذن معصومة من الخطأ والزلل ولا يمكن أن تناقش. وقد تحددت معالم هذه الطريق من خلال قول الشيخ التيجاني نفسه عندما يقول: (إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الذي حدد له معالم الطريق بقوله له: إلزم الطريقة من غير خلوة ولا اعتزال عن الناس حتى تصل مقامك الذي وعدت به أنت, وأنت على مالك من غير ضيق ولا حرج ولا كثرة مجاهدة, واترك عنك جميع الأولياء)(24).

وقد سنَّ التيجاني في طريقته ورداً وحزباً يقوم على الاستغفار والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومما ورد أيضاً في معالم هذه الطريق ما ذكره أحد شيوخها وهو الحاج مالك سي (ت 1922م) حيث يقول: إن الباطن إذا خالف الشريعة باطل, وأنه لا إلهام صحيحاً يأتي بما يخالف الكتاب والسنة, وأن الوحي لا مطمع فيه بعد محمد صلى الله عليه وسلم. إن الملك لا ينزل بوحي على قلب غير نبي أصلاً, ولا بأمر إلهي جديد, فإن الشرع قد تم وتبين الفرض والواجب وغيرهما, وانقطع الأمر الإلهي بانقطاع النبوة والرسالة(25).

كذلك نبه في رسالته على المريد أن يعظم كل المشايخ المحققين لأنه واجب في حقهم عليه, وأن احترام المسلمين فرض, وأن كل من حقَّر طريقة غيره فقد حقَّر الإسلام. وربما جره ذلك إلى الكفر وهو لا يشعر, فإنه يستحل الغيبة والحقد والتفريق بين المؤمنين(26).

8- طريق المريدية

تعود نسبة هذه الطريقة أولاً إلى الشيخ محمد بمبا امباكي (ت1927م) الملقب بخديم الرسول صلى الله عليه وسلم. هذه الطريق كما عبر عنها أحد تلامذة الشيخ إمباكي كاتب سيرته محمد الأمين جوب(ت1967م) بقوله: لما كملت له وراثة النبي صلى الله عليه وسلم بإكمال الله تعالى, وزاده بسطة في العلوم والحكم والأنوار والأسرار, وقواه على حمل أعباء الولاية الكبرى, أمره بالصدع ودعوة الخلق إلى اللياذ به والأخذ عنه والوقوف عند أمره ونهيه(27).

فهذه الطريق تعبير عن الإخلاص الذي هو روح العمل, ونتيجة معرفة العارفين الذي به يحصل الوصول, وهو عبارة عن كون العبد خالصاً في حركاته وسكناته وعقائده وأفعاله وأقواله وأحواله كلها, ظاهراً وباطناً(28).

وقد كان لهذه الطريق وردها الخاص بها والذي يقوم على تلاوة بعض الآيات والأدعية المستوحاة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية, ويطلب من المريد قراءة هذا الورد مرة واحدة اليوم على الأقل مع تلاوة جزء من القرآن الكريم إن استطاع. وليست قراءة هذا الورد فريضة واجبة على المريد, بل على حسب القدرة والاستطاعة, حتى لو قرأه مع ورد آخر غيره(29).

9- طريق السنوسية

انطلاقاً من الوضع العام الذي كان يلف العالم الإسلامي في النصف الأول من القرن الثاني عشر من شعور بالضعف والفرقة المذهبية والتوجيه المنحرف وسيطرة فكرة التواكل على سلوك غالبية المسلمين, فضلاً عن عادات وتقاليد من شأنها أن تحجب رسالة الله للإنسان في حقيقتها, ووعي اجتماعي يكاد ينعدم, وعصبية طائفية طغت على روح الجماعة, وخصومات سياسية ومذهبية وعرقية, كل ذلك كان دافعاً لظهور هذه الطريق كردة فعل على هذا الواقع المتخلف سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وخلقياً ودينياً. لكن فكرة التغيير المطلوب التي استولت على منهج هذه الطريق, وراحت تطرح أفكاراً على المستوى العلائقي بين الطرق الصوفية تمثلت بالاجتماع والالتقاء بالمريدين والأتباع, وإتباع أسلوب الإقناع والتؤدة, والعمل على إشاعة روح المودة والتعاون وتجنب القسوة والعنف.

وقد تجلت طريقة السنوسية في دعوتها بوجوب الرجوع إلى القرآن والسنة وأن دلالتهما واحدة, وتقديمهما على رأي كل مجتهد, كما نعى التقليد(30).

هذه المبادئ جعلت من الطريقة السنوسية طريقة تقوم على البساطة في التعبير وقت العظة والابتعاد عن كرامات الأولياء وخوارق العادات وميزات المتقدمين والمريدين, وكأن السنوسية أرادت من هذا المنهج أن تكون طريقة إصلاحية من خلال عملها وممارستها وسلوكها لتكوين وإعداد جيل من المسلمين يتسم بالتسامح وصفاء النفس والإيمان بالله والحمية من أجل الله والوطن.

لم تنهج هذه الحركة طريق الاستسلام والتواكل, بل كانت حركة توكل وإعداد والتزام بالعبادة والسعي في الحياة معاً, فعملت على تصفية النفوس وربط الأفراد برباط روحي أخوي, وتوجيه الناس نحو أمنهم في الداخل والخارج, كما قضت على الخصومات وساعدت الفقراء وعلمت وهذبت, وضربت بشيوخها المثل في الزهد بالدنيا والتضحية في سبيل الهدف العام(31).

10- المنهج العملي للطرق الصوفية

تعتبر الأعمال الصالحة المنهج العملي لحقيقة فهم الإصلاح وتطبيقه واقعاً ملموساً. وعلى هذا المبدأ راحت كل الطرق الصوفية تسعى لتحقيق هذا الهدف وذلك من خلال المفاهيم العامة الكبرى التي رسمت معالم الطرق على اختلافها وتنوعها. وهي:

1- الشيخ المرشد أو ما يسمى بالمصطلح الصوفي الوارث المحمدي مع كل ما يحيط به من علم وهيبة ووقار وقدرة على التوجيه والإرشاد(32).

2- أخذ العهد أو البيعة وهي إتباع المريد شيخه إتباعاً مطلقاً ومعاهدته على تنفيذ وصاياه وتعاليمه بدقة وأمانه, وهي بهذا الاعتبار أشبه بالعقد الشرعي بين الشيخ ومريده(33).

3- الخلوة: وتعني حياة العزلة والانفراد والانقطاع عن الخلق لتحقيق الأمنية والوصول إلى المطلوب. وبدون الخلوة لا يمكن أن يعرف الإنسان الصوفي حقيقة التصوف(34).

4- المجاهدة: إذا كانت غاية الصوفي الوصول إلى تزكية النفس من خلال التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل, فلا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال المجاهدة, فهي فرض عندهم(35).

5- الزهد: وهو عندهم قطع العلاقة بين العبد والدنيا والانصراف إلى الله, وأن ما ورد من متاع الدنيا ولذَّاتها إنما هي قواطع وموانع تحجب العبد عن ربه.

6- السماع: وهو عبارة عن كيفية تأدية الصوفي أذكاره وأوراده في حلقات الذكر, شعراً وقصائد وتؤدى في مجالس خاصة ويقام لها مواسم معروفة.

7- العلم: حيث إن الصوفية قسموا العلم إلى ظاهر وباطن, وميزوا بين الشريعة والحقيقة, كما فرقوا بين علماء الظاهر وعلماء الباطن لاعتقادهم أن العلم الصحيح إنما هو علم الباطن أي علم القلوب(36), لكن بعض الفرق رأت في التأكيد على أذكارها وأورادها مدخلاً أساساً لا بد منه للعلم, فقدمت ذلك على غيره.

8- البناء العلمي للطريقة الصوفية ويتمثل في مجموعة الأوراد والأحزاب التي راحت كل فرقة تصوغ مضمون حزبها ووردها فيه, انطلاقاً من آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي عليه السلام, وأقوال وأدعية مأثورة عن بعض الصحابة والتابعين والصالحين, مشددة على الالتزام بالنص واللفظ عند تأدية الورد أو الحزب, سواء في أوقات الخلوة أو في أوقات الجماعة.

هذا الدور الاجتماعي الكبير الذي اضطلعت به الطرق الصوفية اليوم كان له أثره الفعال في تربية الفرد والجماعة وتنشئة الأجيال دينياً وروحياً ومسلكياً عن طريق التهذيب والتزكية والتنقية بإكسابهم أنماطاً سلوكية وقيماً دينية تتفق مع الآداب والأخلاق الإسلامية. ولا شك فإن مجموع هذه الأخلاق والمثاليات هي الرباط الجامع بين الناس جميعاً، تنمي فيهم روح الإيثار والمودة، وتبني حياتهم على العلاقات السليمة, وتحقق لهم عوامل الإخاء والصفاء والمودة المتبادلة.

لقد حققت الطرق الصوفية لمريديها من سكينة روحية وراحة نفسية وطمأنينة بالعيش والرضا بالواقع والقناعة بالرزق، ما جعلت المجتمع يتجنب الكثير من المشكلات التي تنتج عن القلق والضيق والخوف.

*****************

الهوامش:

*) باحث من لبنان.

1 - الهروي الأنصاري، منازل السائرين، ص4.

2 - عوارف المعارف، م.س، 2/225.

3 – عبد الكريم الجيلي، شرح الإسفار عن رسالة الأنوار، ص262.

4 - فاطمة اليشرطية الحسنية، رحلة إلى الحق، ص204.

5 - ابن عربي، التعريفات، ص12.

6 - ابن عربي، الفتوحات المكية، 2/133-134.

7 - الحارث بن أسد المحاسبي، آداب النفوس، ص34.

8 - عوارف المعارف، م.س، 1/197.

9 - أبو حامد الغزالي، المنقذ من الضلال، ص139. وقارن به: محمد زاده العثماني النقشبندي، كتاب بغية الواجد في مكتوبات حضرة مولانا خالد، ص20.

10- عبدالله بن علوي بن حسن العطاس، ظهور الحقائق في بيان الطرائق، ص17.

11- لويس ماسينيون، مادة (طرق صوفية)، دائرة المعارف الإسلامية، 172-173.

12- رحلة إلى الحق، م.س، ص38.

13- الشريف محمد بن حسين بن عبدالله الحبشي، العقود اللؤلؤية في بيان طريق السادة العلوية، ص29. وقارن به: حسن جلاب، الحركة الصوفية بمراكش، ظاهرة سبعة رجال، ص89. وكذلك: عبد القادر زكي، النفحة العلية في أوراد الشاذلية، ص191-192.

14- فاطمة اليشرطية الحسنية، نفحات الحق في الأنفاس العلية اليشرطية الشاذلية، ص103. وقارن به: رحلة إلى الحق، م.س، ص338، وكذلك: نوح حاميم كلر، أوراد الطريقة الشاذلية، ص45 وما بعدها.

15- رحلة إلى الحق، م.س، ص334.

16- كتاب جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم، م.س، ص14.

17- المصدر السابق، ص112.

18- كتاب بغية الواجد في مكتوبات مولانا خالد، م.س، ص30.

19- المصدر السابق، ص30-33، وقارن به: كتاب جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم، م.س، ص14.

20- المصدر السابق، ص35. وقارن به: كتاب جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم، م.س، ص171.

21- الحركة الصوفية بمراكش، ظاهرة سبعة رجال، م.س، ص89,136. وقارن به: عبد الله ناصح علوان، روحانية الداعية، ص105.

22- عبد الوهاب الشعراني، الطبقات الكبرى، (219).

23- عبد القادر الجيلاني، فتوح الغيب، ص34، 171 وما بعدها. وكتاب: الغنية لطالبي طريق الحق، 3/1332-1336.

24- سيدي علي حرازم: جوهر المعاني في فيض سيدي أبي العباس أحمد التيجاني، 1/43.

25- الشيخ مالك سي، كفاية الراغبين، ص55.

26- المصدر الأمين جوب، إرواء النديم، ص23.

27- المصدر السابق، ص22-23.

28- المصدر السابق، ص134، وقارن به: خديم محمد سعيد إمباكي، التصوف والطرق الصوفية في السنغال، ص85-87.
29- التصوف في مصر والمغرب، م.س، ص32-42.

30- محمد البهي، الفكر الإسلامي في تطوره، ص91-110. وقارن به: عبد الحكيم عبد الغني قاسم، المذاهب الصوفية ومدارسها، ص196-206.

31- عبد القادر عيسى، حقائق عن التصوف، ص76.

32- عبد الباري الندوي، بين التصوف والحياة، ص217-220.

33- محمد أمين الكردي، تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب، ص524-525. وقارن به: حقائق عن التصوف، م.س، ص245.

34- المصدر السابق، ص114.

35- ابن الجوزي، صيد الخاطر،621. وكتاب: تلبيس إبليس، ص395.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://smrxxl.yoo7.com
 
الطرق الصوفية: أهداف وغايات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الطرق الصوفية
»  الطرق الصوفية بجمهورية مصر العربية
» ( كثرة الطرق الصوفية والاسماء)
» قائمة بأسماء الطرق الصوفية ومشايخها وعناوينهم،
» الطريق .... الطريقة الصوفية .... طيران الصوفية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مَوقِع الطَريقَة الرِفاعيَة :: الصُوفيَةِ ( أهلُ الحَقِ )-
انتقل الى: