بارك الله فيك اختنا بنت الاخيار وشكرا اخونا احب العلم زاده الله من فضله وبركته
اخوان من خصال التصوف الاحسان ولتصوف خصال كثيره تفوق كل المذاهب والمعتقدات والاديان
ولو نعد خصال الصوفيه نعرفها من الكتاب والسنه فهم اكثر الجماعات والمجتهدين تطبيقا واجتهادا با الكتاب والسنه وانشاء الله نكتب عن خصال الصوفيه في الوقت الحاضر اول خصال الصوفيه هيه
خصال الرسول صلى الله عليه وسلم
لقد نال صلى الله عليه و سلم كل هذا الحب و هو قليل في حقه لأنه جمع خصال و صفات لم ولن تجتمع في غيره من بني البشر و لعلي ألمح في السطور القادمة إلى بعض ذلك مع عجزي عن ذكر عُشرِ المعشار من عظيم ما حباه الله إياه من جميل الصفات و كريم الخصال صلوات ربي و سلامه عليه .
أولاً : عظم بركته و خيره صلى الله عليه و سلم على جميع المخلوقات :
فقد كان مولده صلى الله عليه و سلم بشارة خير و نور و بكرة و ضياء للكون بأسره فقد رأت أمه حين وضعته نوراً أضاءت منه قصور الشام , و جاء صلى الله عليه و سلم بالدين الذي إذا أقيم واقعاً في الحياة صبت السماء بركاتها و أخرجت الأرض خيراتها (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) الأعراف96
فما أعظم بركاته عليه الصلاة و السلام بركات ينعم بها الطير و الحيوان و الدواب و النبات و الإنسان . فأقل ما تهبه هذه المخلوقات لهذا النبي صلى الله عليه و سلم الحب الصادق فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان .
ثانياً : عظيم رحمته صلى الله عليه و سلم بجميع المخلوقات :
يقول الله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) الأنبياء107 و قال تعالى : ({فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ عنك) آل عمران159
يقول سيد رحمه الله [ فهي رحمة الله التي نالته ونالتهم ; فجعلته صلى الله عليه و سلم رحيما بهم , لينا معهم . ولو كان فظا غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب , ولا تجمعت حوله المشاعر . فالناس في حاجة إلى كنف رحيم , وإلى رعاية فائقة , وإلى بشاشة سمحة , وإلى ود يسعهم , وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم . . في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء ; ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه ; ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء . . وهكذا كان قلب رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم وهكذا كانت حياته مع الناس . ما غضب لنفسه قط . ولا ضاق صدره بضعفهم البشري . ولا احتجز لنفسه شيئا من أعراض هذه الحياة , بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية . ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم . وما من واحد منهم عاشره أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه ; نتيجة لما أفاض عليه صلى الله عليه وسلم من نفسه الكبيرة الرحيبة ] الظلال ج1.
و قد عمت رحمته و شمل إحسانه صلى الله عليه و سلم كل شيء الطير و الحيوان والنمل و الشجر و الإنسان ألم يقل صلى الله عليه و سلم : ( إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء . فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة . وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح . وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) رواه ابن ماجه و صححه الألباني رحمه الله
ألم يقل صلى الله عليه و سلم ( في كل ذات كبد رطب أجر ) رواه مسلم ألم يوصي صلى الله عليه و سلم بالبهائم فقال : ( اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة ...) رواه أبو داود
و رأى صلى الله عليه و سلم قرية من النمل قد حرقت قال : ( من حرق هذه ؟ ) فقلنا نحن قال : ( إنه لا ينبغي لأحد أن يعذب بالنار إلا رب النار ) رواه أبو داود و أحمد .
ألم يقل صلى الله عليه و سلم : (إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسلة فليغرسها) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح
ألم يقل: ( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء ) رواه أبو داود و صححه الألباني.
فما أعظم رحمته صلى الله عليه و سلم فقد كان أرحم بنا من الآباء و الأمهات و صدق من قال:
و إذا رحمت فأنت أم أو أبٌ *** هذان في الدنيا هم الرحماء
وإذا سخوت بلغت بالجود المدى *** و فعلت ما لم تفعل الأنواء
و صدق صلى الله عليه و سلم حين قال : ( إنما أنا رحمة مهداة ) رواه الحاكم و صححه .
ثالثاً :عظيم حرصه على هداية أمته :
وقال تعالى: ( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) التوبة 128
قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى :[ هذه المنة التي امتن الله بها على عباده هي اكبر النعم بل اجلها وهي الإمتنان عليهم بهذا الرسول الكريم الذي أنقذهم الله به من الضلالة وعصمهم به من التهلكة ] ا.هـ
وروى مسلم عن ابن عمرو: أن رسول الله تلا هذه الآية: ( رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) و ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم).
فرفع يديه وقال: (اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله يا جبريل: اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله فأتاه جبريل فسأله، فأخبره بما قال: وهو أعلم، فقال الله يا جبريل: اذهب إلى محمد فقال: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك).
وروى البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً: (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي شاملة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً).
لقد وصل به الأمر صلى الله عليه و سلم إلى أن استولت عليه الحسرة و كاد يقتل نفسه حرصاً على أمته حتى عاتبه ربه فقال تعالى : ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ) الكهف6 و قال عز وجل : ( لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) الشعراء3
و قال سبحانه : ( فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) فاطر8
و تأمل في عظيم شفقته بأمته حين يضرب هذا المثل عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقحمون فيها ) رواه البخاري
قال القاضي عياض رحمه الله : [أما إحسانه و أنعامه على أمته فكذلك قد مر منه في أوصاف الله تعالى له من رأفته بهم و رحمته لهم و هدايته إياهم و شفقته عليهم و استنفاذهم به من النار و أنه بالمؤمنين رؤوف رحيم و رحمة للعالمين و مبشرا و نذيرا و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا و يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلهم الكتاب و الحكمة و يهديهم إلى صراط مستقيم
فأي إحسان أجل قدرا و أعظم خطرا من إحسانه إلى جميع المؤمنين ؟ و أي إفضال أعم منفعة و أكثر فائدة من إنعامه على كافة المسلمين إذ كان ذريعتهم إلى الهداية و منقذهم من العماية و داعيهم إلى الفلاح و وسيلتهم إلى ربهم و شفيعهم و المتكلم عنهم و الشاهد لهم و الموجب لهم البقاء الدائم و النعيم السرمد
فقد استبان لك أنه صلى الله عليه و سلم مستوجب للمحبة الحقيقية شرعا بما قدمناه من صحيح الآثار و عادة و جبلة بما ذكرناه آنفا لأفاضته الإحسان و عمومه الإجمال فإذا كان الإنسان يحب من منحه في دنياه مرة أو مرتين معروفأ أو استنقذه من هلكة أو مضرة مدة التأذي بها قليل منقطع ـ فمن منحه ما لا يبيد من النعيم و وقاه ما لا يفنى من عذاب الجحيم أولى بالحب
و إذا كان يحب بالطبع ملك لحسن سيرته أو حاكم لما يؤثر من قوام طريقته أو قاص بعيد الدار لما يشاد من علمه أو كرم شيمته ـ فمن جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحق بالحب و أولى بالميل ] الشفا ج2 صـ24
رابعا : عظم تضحيته و شدة الأذى الذي لحقه في سبيل تبليغ الدين :
عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت : للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ؟ قال ( لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري
و عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور فقذفه على ظهر رسول الله صلى : الله عليه وسلم فلم يرفع رأسه فجاءت فاطمة فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك وقال
اللهم عليك الملأ من قريش : أبا جهل بن هشام و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و عقبة بن أبي معيط و أمية بن خلف أو أبي بن خلف ـ شك شعبة ـ قال : فلقد رأيتهم يوم بدر وألقوا في بئر غير أن أمية تقطعت أوصاله فلم يلق في البئر ) رواه ابن حبان
الإحسان نوعان
تعريف الاحسان ينقسم الاحسان الى قسمين
1 الإحسان في عبادة الخالق.
فسرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
والإحسان إلى المخلوق،
وأما الإحسان إلى المخلوق، فهو إيصال النفع الديني والدنيوي إليهم، ودفع الشر الديني والدنيوي عنهم، فيدخل في ذلك أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وتعليم جاهلهم، ووعظ غافلهم، والنصيحة لعامتهم وخاصتهم، والسعي في جمع كلمتهم، وإيصال الصدقات والنفقات الواجبة والمستحبة إليهم، على اختلاف أحوالهم وتباين أوصافهم، فيدخل في ذلك بذل الندى وكف الأذى، واحتمال الأذى، كما وصف الله به المتقين في هذه الآيات، { {الذين ينفقون في السراء والضراءوالكاظمين الغيظوالعافين عن الناس والله يحب المحسنين} فمن قام بهذه الأمور، فقد قام بحق الله وحق عبيده. هذه المرتبة هي الثالثة من مراتب الدين المفصلة في حديث جبريل المتقدم ، وهي أعلى مراتب الدين وأعظمها خطرا ، وأهلها هم المستكملون لها السابقون بالخيرات المقربون في علو الدرجات .
وقد قدمنا أن الإسلام هو الأركان الظاهرة عند التفصيل واقترانه بالإيمان ، والإيمان إذ ذاك هو الأركان الباطنة ، والإحسان هو تحسين الظاهر والباطن ، وأما عند الإطلاق ، فكل منها يشمل دين الله كله ، وقد جاء الإحسان في القرآن في مواضع كثيرة ، تارة مقترنا بالإيمان ، وتارة بالتقوى ، وتارة بهما معا ، وتارة بالجهاد ، وتارة بالإسلام ، وتارة بالعمل الصالح مطلقا .
قال الله تبارك وتعالى : سورة المائدة الآية 93 لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( المائدة : 93 ) .
وقال تعالى : سورة النحل الآية 128 إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ( النحل : 128 ) .
وقال تعالى : سورة الكهف الآية 30 إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ( الكهف : 30 ) .
وقال تعالى : سورة العنكبوت الآية 69 وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ( العنكبوت : 69 ) .
وقال تعالى : سورة البقرة الآية 112 بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( البقرة : 112 ) .
وقال تعالى : سورة لقمان الآية 22 وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ( لقمان : 22 ) .
[ ج- 3][ص-1170] وتارة بالإنفاق في سبيل الله ، وهو من الجهاد ، كقوله تعالى : سورة البقرة الآية 195 وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( البقرة : 195 ) .
وقد فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسيرا لا يستطيعه من المخلوقين أحد غيره - صلى الله عليه وسلم - لما أعطاه الله تعالى من جوامع الكلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري تفسير القرآن (4499) ، صحيح مسلم الإيمان (10) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (4991) ، سنن ابن ماجه المقدمة (64) ، مسند أحمد (2/426). الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن مرتبة الإحسان على درجتين ، وأن للمحسنين في الإحسان مقامين متفاوتين :
المقام الأول وهو أعلاهما : أن تعبد الله كأنك تراه ، وهذا مقام المشاهدة ، وهو أن يعمل العبد على مقتضى مشاهدته الله - عز وجل - بقلبه ، وهو أن يتنور القلب بالإيمان ، وتنفذ البصيرة في العرفان حتى يصير الغيب كالعيان ، فمن عبد الله - عز وجل - على استحضار قربه منه ، وإقباله عليه ، وأنه بين يديه كأنه يراه ، أوجب له ذلك الخشية والخوف والهيبة والتعظيم .
وفي حديث حارثة المرسل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : لا يوجد تخريج لهذا المتن يا حارثة كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت مؤمنا حقا . قال : انظر ما تقول ، فإن لكل قول حقيقة . قال : يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ، وكأني أنظر أهل الجنة في الجنة يتزاورون فيها ، وكأني أنظر إلى أهل النار في النار كيف يتعاوون فيها . قال : أبصرت فالزم . عبد نور الله تعالى بصيرته .
[ ج- 3][ص-1171] المقام الثاني : مقام الإخلاص ، وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه ، واطلاعه عليه وقربه منه ، فإذا استحضر العبد هذا في عمله وعمل عليه ، فهو مخلص لله تعالى لأن استحضاره ذلك في عمله يمنعه من الالتفات إلى غير الله وإرادته بالعمل ، وهذا المقام هو الوسيلة الموصلة إلى المقام الأول .
ولهذا أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - تعليلا للأول ، فقال : فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك .
وفي بعض ألفاظ الحديث : فإنك إلا تكن تراه فإنه يراك .
فإذا تحقق في عبادته بأن الله تعالى يراه ويطلع على سره وعلانيته ، وباطنه وظاهره ، ولا يخفى عليه شيء من أمره ، فحينئذ يسهل عليه الانتقال إلى المقام الثاني ، وهو دوام التحقيق بالبصيرة إلى قرب الله تعالى من عبده ، ومعيته حتى كأنه يراه .
وقد ذكر الله - تبارك وتعالى - هذا المعنى في غير ما موضع من القرآن ، كما قال تبارك وتعالى : سورة يونس الآية 61 وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ سورة يونس الآية 62 أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ سورة يونس الآية 63 الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ سورة يونس الآية 64 لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( يونس ) .
وقال تبارك وتعالى : سورة البقرة الآية 186 وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ( البقرة : 186 ) .
وقال تبارك وتعالى : سورة الشعراء الآية 217 وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ سورة الشعراء الآية 218 الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ سورة الشعراء الآية 219 وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ سورة الشعراء الآية 220 إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( الشعراء ) وغير ذلك من الآيات .
فأولياء الله المتقون المحسنون ، هم الذين آمنوا بالله - عز وجل - وبإلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته ، وأفردوه بالعبادة محبة وتذللا وانقيادا وخوفا ورجاء ورغبة ورهبة وخشية وخشوعا ومهابة وتعظيما وتوكلا عليه وافتقارا إليه واستغناء به [ ج- 3][ص-1172] عما سواه ، واتقوا بامتثال أوامره ومحبة مرضاته ، وترك مناهيه وموجبات سخطه سرا وعلنا ، وظاهرا وباطنا ، قولا وعملا واعتقادا ، واستشعرت قلوبهم ونفوسهم إحاطة الله - عز وجل - بهم علما وقدرة ، ولطفا وخبرة بأقوالهم وأعمالهم ونياتهم ، وأسرارهم وعلانياتهم ، وحركاتهم وسكناتهم ، وجميع أحوالهم ، كيف عملوا وأين عملوا ، ومتى عملوا ، فكان عملهم خالصا لله ، موافقا لشرعه مناطا بما جاءت به رسله ونطقت به كتبه ، مستحضرين ذلك بقلوبهم ، نافذة فيه بصائرهم ، فأخلصوا لله العمل وراقبوه مراقبة من ينظر إلى ربه ؛ لكمال علمهم بأن الله ينظر إليهم ويرى حالهم ويسمع مقالهم ، فطرحوا النفوس بين يديه وأقبلوا بكليتهم عليه ، والتجأوا منه إليه وعاذوا به منه ، وأحبوه من كل قلوبهم ، فامتلأت بنور معرفته ، فلم تتسع لغيره ، فبه يبصرون وبه يسمعون ، وبه يبطشون وبه يمشون ، وبرؤيتهم يذكر الله تعالى وبذكره يذكرون .
وقال البخاري رحمه الله تعالى : حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش : سمعت أبا صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري التوحيد (6970) ، صحيح مسلم التوبة (2675) ، سنن الترمذي الدعوات (3603) ، سنن ابن ماجه الأدب (3822) ، مسند أحمد (2/251). يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة .
وقال رحمه الله تعالى : حدثني محمد بن عثمان بن كرامة ، حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قال : صحيح البخاري الرقاق (6137). من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت وأنا أكره مساءته " .
[ ج- 3][ص-1173] ذكروا الله تعالى فذكرهم ، وشكروه فشكرهم ، وتولوه ووالوا فيه فتولاهم ، وعادوا أعداءه لأجله ، فآذن بالحرب من عاداهم ، وأحسنوا عبادة ربهم ، فأحسن جزاءهم وأجزله ، عبدوه على قدر معرفتهم به ، فجازاهم بفضله وزادهم سورة يونس الآية 26 لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ( يونس : 26 ) ، سورة الرحمن الآية 60 هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ( الرحمن : 60 ) .
ولما ذكر أهل الجنة وما وعدهم به من النعم ، وصفهم أن ذلك جزاء إحسانهم ، فقال : سورة الذاريات الآية 15 إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ سورة الذاريات الآية 16 آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ( الذاريات ) .
ثم فسر إحسانهم سورة الذاريات الآية 17 كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ سورة الذاريات الآية 18 وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ سورة الذاريات الآية 19 وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ( الذاريات ) .
وقدمنا في الفصل الأول أن الحسنى التي وعد الله - عز وجل - المحسنين هي الجنة ، والزيادة هي النظر إلى وجه الله - عز وجل - كما رواه مسلم عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فلما كانوا يعبدون الله - عز وجل - في الدنيا على وجه الحضور والمراقبة ، كأنهم يرونه بقلوبهم ، وينظرون إليه في حال عبادتهم إياه ، كان جزاؤهم على ذلك النظر إلى وجهه - تبارك وتعالى - في الآخرة عيانا بأبصارهم .
وعكس هذا ما أخبر به عن المكذبين الذين ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ، فقال تعالى فيهم : سورة المطففين الآية 15 كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ( المطففين : 15 ) ، لما كان حالهم في الدنيا التكذيب أعقبهم ذلك التكذيب تراكم الران على قلوبهم ، حتى حجبت عن معرفته ومراقبته في الدنيا ، فكان جزاؤهم على ذلك أن حجبوا عن رؤيته في الآخرة ، وذلك قول الله عز وجل : سورة النجم الآية 31 لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ( النجم : 31 ) .
سورة البقرة الآية 201 رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( البقرة : 201 ) .
وان شاء الله سيتم كتابة موضوع كامل عن خصال التصوف بارك الله بكم جميعا