زوجاته رضي الله عنهن
يقول شيخ الصوفية في زمنه , الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي , وهو من تلاميذ الشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى : سمعنا أن الشيخ عبد القادر نُقل أنه قال : كنت أريد الزوجة مدة من الزمان ولا أتجرأ على التزوج خوفاً من تكدير الوقت . فلما صبرت إلى أن بلغ الكتاب أجله ساق الله تعالى إلىّ أربع زوجات , ما منهن إلا من تنفق على إرادة ورغبة . أي أنهن من بنات الأغنياء , أو يعرفن صنعة من الصنعات.
ولم يذكر أحد من المؤرخين تاريخ أول زواج له . ولكن صاحب ( قلائد الجواهر ) يقول إن ولده البكر هو عبدالله الذي ولد في سنة 508هـ , بينما الأستاذ محمد العيني يقول إن ولده البكر هو عبد الوهاب الذي ولد في سنة 522هـ . وقد رأينا أن عبد الوهاب هو الذي صلى على والده عند وفاته , فلماذا لم يصل عليه أبنه عبدالله إذا كان هو البكر ؟!
وسواء صحت الرواية الأولى أو الثانية فإنَّ الشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى لم يتزوج إلا بعد أن تجاوز الخامسة و الثلاثين من العمر , وهي سن متأخرة بالنسبة لزواج أبناء ذلك العصر , وهو يدل على أنه لم يكن مستقراً في شبابه وعلى أنَّ أحواله لم تكن تساعده على الزواج , فقد كان فقيراً , و شريداً في صحاري العراق وخرب بغداد .
أولاده رضي الله عنهم
قال ابن النجار في تاريخه : سمعت عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجيلي يقول : وُلد لوالدي تسعة وأربعون ولداً , سبعة وعشرون ذكراً , و اثنتان وعشرون بنتاً . ولكن لم يبق له منهم سوى ثلاثة عشر ذكراً وهم : عبدالله وعبد الوهاب و عبد الرزاق وعبد العزيز و عبد الجبار و إبراهيم ومحمد وعبد الرحمن وعيسى وموسى وصالح وعبد الغني ويحيي وبنت واحدة هي أمَةُ الجبار فاطمة . وقد عنى رضي الله عنه بتربيتهم وتهذيبهم ، وتخرجوا على يديه في العلم وكان معظمهم من أكابر الفقهاء والمحدثين .
وقد ابتلى رحمه الله بفقد الأولاد , فقد توفى له من أولاده أربعة عشر ذكراً وإحدى وعشرون بنتاً , فصبر على ذلك صبر الكرام , لذلك قال الجبائي ـ أحد تلاميذ الشيخ رحمه الله تعالى ـ : قال سيدنا الشيخ عبد القادر رضي الله عنه كان إذا وُلِد لي ولد أخذته على يدي وأقول : هذا ميت , فأخرجه من قلبي فإذا مات لم يؤثر عندي موته شيئاً , لأني قد أخرجته من قلبي أول ما وُلِد .. أي أنه رحمه الله كان إذا وُلِد له الولد قال في نفسه : هذا الولد مصيره الموت . فالموت سبيل كل حي . وهو عارية عندي ليس غير , قال الجبائي : لذلك كان يموت من أولاده الذكور والإناث ليلة مجلسه فلا ينقطع المجلس , ويصعد على الكرسي ويعظ الناس . والغاسل يغسل الميت فإذا فرغوا من غسله جاءوا به إلى المجلس فينزل الشيخ ويصلي عليه رضي الله عنه .ونذكر من أولاده رضي الله عنهم
1.عبدالله : وهو أكبر أولاد الشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى , ولد في سنة 508هـ , سمع من أبيه ومن ابن البناء , وتوفى ببغداد في 17 وقيل 18 صفر سنة 589هـ وقيل 587هـ .
2.عبد الوهاب : وُلِد في شهر شعبان سنة 522هـ ببغداد , تفقه على والده , وسمع منه ومن أبي غالب بن البناء و غيرهما , رحل إلى بلاد العجم حيث طلب العلم هناك , ثم عاد إلى بغداد ودرس بمدرسة والده أثناء حياته نيابة عنه منذ سنة 543 هـ , وبعد وفاة والده وعظ وأفتى , وتخرج به جماعة منهم الشريف الحسيني البغدادي وأحمد بن عبد الواسع وغيرهما .. وكان فقيهاً فاضلاً , حسن الكلام في مسائل الخلاف فصيح اللسان في الوعظ .. وكان ظريفاً مليح النادرة , ذا مزاح ودعابة وكياسة , وكانت له مروءة وسخاوة , وجعله الإمام الناصر لدين الله على المظالم سنة 583هـ . وكان قلمه شديداً في الفتوى . توفى في بغداد ليلة الخامس والعشرين من شوال سنة 593هـ ودفن بمقبرة الحلبة رحمة الله عليه .وقال ابن رجب في ( طبقاته ) : إنه سمع من ابن الحسين وابن الزغواني وأبي غالب بن البناء وغيرهم وكان فقيهاً زاهداً واعظاً , وقال القنوجي صاحب كتاب ( التاج المكلل ) : إنه درس على ابن البناء والقزاز والأرموي وأبي الوقت وغيرهم , وقرأ الفقه على والده .
3. عبد الرزاق : ولد عشية الاثنين الثامن عشر من ذي القعدة سنة 528هـ , هو الشيخ القدوة الحافظ , تفقه على والده وسمع منه ومن أبي الحسن بن صرما وغيرهما , حدَّث وأملى ودرَّس وأفتى وناظر .وتخرج به غير واحد , منهم إسحاق بن أحمد بن غانم وعلي بن علي خطيب زوبا وغيرهم .وقال الحافظ ابن النجار في تاريخه : سمع من والده ومن أبي الحسن محمد بن الصائغ والقاضي أبي الفضل محمد وسعيد بن البناء وأبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ وأبي المظفر محمد الهاشمي وغيرهم , وقرأ الكثير على أصحاب أبي الخطاب بن البطر وأبي عبدالله بن طلحة , وكان حافظاً متقناً ثقة , صدوقاً حسن المعرفة بالحديث , فقيهاً على مذهب الإمام أحمد بن حنبل , ورعاً , منقطعاً في منزله عن الناس . لا يخرج إلا في الجمعات , مكرماً لطلاب العلم , سخياً , صابراً على فقره ,عزيز النفس عفيفاً ، روى عنه الدبيثي والحافظ ابن النجار صاحب التاريخ , والنجيب عبد اللطيف والتقي البلداني . وقال أبو بكر بن نقطة : وكان شيخنا عبد الرزاق حافظاً ثقة مأموناً توفى ليلة السبت سادس شوال من سنة ثلاث وست ومائة .وقال ابن رجب في ( طبقاته ) : وكانت له معرفة بالمذهب ولكن معرفته بالحديث غطت على معرفته بالفقه .وقال القنوجي صاحب كتاب ( التاج المكلل ) : عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الجيلي المحدث الحافظ ولد سنة 528هـ وتوفى سنة 603هـ . سمع من والده ومن ابن صرما والحافظ ابن ناصر وابن البناء وأبي الوقت ومن في طبقتهم .. قال الحافظ الضياء : لم أر ببغداد مثله في تحريه وتيقظه , أثنى عليه أبو شامة , وذكره الذهبي فقال : حدَّث عنه الدبيثي وابن النجار والضياء المقدسي وآخرون .
4.عبد الجبار : لم يذكر تاريخ ولادته , ( تفقه على والده وسمع منه ومن أبي منصور والقزاز و غيرهم ,سلك سبيل التصوف . وكان حسن الحظ , يكتب خطاّ عجيباً , توفى شاباً في تاسع عشر ذي الحجة سنة 575هـ ودفن برباط والده بالحلبة ) . وقال إبراهيم الدروبي في كتابه ( الباز الأشهب ) : إن عبد الجبار لم يدفن في الحلبة وإنما في الحضرة الكيلانية , وقبره ظاهر فيها يزار .
... 5.عبد العزيز : كنيته أبو بكر , ولد في 27 شوال سنة 532هـ , تفقه على والده وسمع منه ومن ابن منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز وغيرهم , حدث ووعظ ودرس . تخرج به غير واحد , وكان بهيَّاً متواضعاً , رحل إلى الحيال قرب عقرة بالموصل , واستوطنها في سنة 580هـ بعد أن اشترك في غزو عسقلان في فلسطين , وذريته في قرية الحيال , وفي بغداد , ونقباء الأشراف في بغداد من ذريته حتى الآن . توفى في 18 ربيع الأول سنة 602هـ وقيل في سنة 604هـ ودفن في الحيال )
6.عيسى : لم يذكر تاريخ مولده ( تفقه على والده وسمع منه ومن أبي الحسن بن صرما وغيرهما , درس وحدث ووعظ وأفتى , وصنف مصنفات , منها كتاب ( جواهر الأسرار ولطائف الأنوار ) في علم الصوفية , قدم مصر وحدث بها ووعظ وتخرج به من أهلها غير واحد منهم أبو تراب ربيعة بن الحسن الحضرمي الصنعاني , ومسافر بن يعمر المصري وحامد بن أحمد الأَرتاجي ومحمد بن محمد الفقيه المحدث وغيرهم . وقال الحافظ ابن النجار في تاريخه : خرج من بغداد بعد وفاة والده ودخل الشام وسمع بدمشق من علي بن مهدي الهلالي في سنة 562هـ , وحدث عن والده , ثم دخل مصر , وأقام بها إلى حين وفاته , وكان يعظ على المنابر وله قبول من الناس , حدّث هناك عن واده , روى عنه أحمد بن ميسرة الحنبلي , قال ابن النجار : قرأت على بلاطة قبر عيسى ابن الشيخ عبد القادر الجيلي بقرافة مصر : توفى في الثاني عشر من رمضان سنة 573 هـ . ومن شعره رحمة الله عليه :
تحمل سلامي نحو أرض أحبتي وقل لهم إن الغريب مشوق
فإن سألوكم كيف حالي بعـدهم فقولوا بنيران الفراق حريق
فليس له إلف يسيـر بقر بهـم وليس له نحو الرجوع طريق
غريب يقاسي الهم في كل بلـدة ومن لغريب في البلاء صديق
7.موسى :ولد في ختام ربيع الأول سنة 539هـ , تفقه على والده وسمع منه ومن ابن البنّاء وغيرهما , أرسله والده إلى دمشق و عمّر بها , قال الشيخ عمر بن الحاجب في معجمه : كان حنبلي المذهب , شيخاً , مسنداً , من بيت حديث وزهد وورع . وكان شيخاً ظريفاً , مطبوع الحركات , رق حاله واستولى عليه المرض في آخر عمره , إلى أن توفى في دمشق , وصلى عليه بالمدرسة المجاهدية ودفن بسفح جبل قاسيون رحمة الله عليه ) . وهو آخر من توفى من أولاد الشيخ عبد القادر . وكانت وفاته بمحله العقيبة بدمشق في أوائل جمادي الآخرة سنة 618هـ .
8.محمد : تفقه على والده وسمع منه ومن ابن البناء وأبي الوقت وغيرهم , حدث في بغداد , وتوفى فيها في ذي القعدة سنة 600هـ ودفن بمقبرة الحلبة رحمه الله تعالى ) ولم يذكر له تاريخ مولد .
9.إبراهيم : تفقه على والده وسمع منه ومن سعيد بن البناء وغيرهما , رحل إلى واسط وتوفى بها سنة 592هـ رحمة الله عليه .
10.يحيي :هو أصغر أولاد الشيخ عبد القادر رحمه الله تعالى ، ولد سنة 550 هـ . أي قبل وفاة والده بإحدى عشرة سنة . وكان والده في الثمانين من عمره ، ويذكر ان الشيخ عبد القادر مرض مرة وخاف عليه أولاده الموت ، فقال لهم : لا تخافوا لن أموت الآن فلا يزال في ظهري ذكر سيخرج إلى الدنيا اسمه يحيى ، وكانت أمه جارية حبشية ، وقد تفقه على والده وسمع منه ومن محمد ابن عبد الباقي وغيرهما ، وحدث وانتفع به الناس ، ثم قدم مصر وأقام به إلى أن تقدمت به السن ، فعاد إلى بغداد ومعه ابنه عبد القادر الذي ولد في مصر . ثم توفي ببغداد في شعبان سنة 600 هـ . ونودي للصلاة عليه فحضره خلق كثير وصلي عليه بمدرسة والده ودفن عند أخيه الشيخ عبد الوهاب برباط والده بالحلبة .
11.امة الجبار : رضي الله عنها بنت الشيخ عبد القادر رضي الله عنها فقد تزوجها ابن الشيخ عبد الرحمن الطفسونجي الأسدي .
12.ثم إن الشيخ يونس السامرائي يذكر في كتابه عن الشيخ عبد القادر أسماء ثلاثة آخرين من أبناء الشيخ رحمه الله تعالى هم : الشيخ عبد الرحمن المتوفى سنة 587 هـ . والشيخ صالح والشيخ عبد الغني اللذان ورد ذكرهما في آخر كتاب فتوح الغيب ولم يذكر لهما تاريخ ولادة أو تاريخ وفاة