زهير عضو متالق
عدد المساهمات : 9 مرشد*مريد*مداح : مريد
| موضوع: من يذوق طعم الإيمان السبت مايو 12, 2012 3:53 am | |
| من يذوق طعم الإيمان
حدثنا الشيخ الإمام المُقْري القاضي الثقة ، علي أبو الفضل الواسطي بمدرسته في واسط ، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن علي بن المهذّب ، قال: أنبأنا أبو بكر أحمد ابن جعفر القطيعي ، قال: أنبأنا عبدالله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد بن الليث بن سعد ، عن ابن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم بن الحرث ، عن عامر بن سعد عن العباس بن عبد المطلب ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً"، وهذا الذوق المنبعث عن هذا الرضا هو المعرفة بالله تعالى . والمعرفة نورٌ أسكنه الله تعالى قلب من أحبه من عباده ، ولا شي أجل وأعظم من ذلك النور ، وحقيقة المعرفة حياة القلب بالمُحيي (أوَمَن كان مَيتاً فأحييناه) وقال تعالى : (ليُنذر من كان حياً)، وقال تعالى (فلنُحييّنه حياةً طيبة)، وقال: سبحانه : (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم) فمن ماتت نفسه ؛ بعدت عنه دنياه ، ومن مات قلبه بعد عنه مولاه ، وسُئل ابن السماك: متى يعرف العبد أنه على حقيقة المعرفة ؟ قال: إذا شاهد الحق بعين اعتباره فانياً عن كل من سواه، وقيل: المعرفة فقدان رؤية ما سواه ، بحيث يصير ما دون الله تعالى عنده أصغر مِن خردلة ، قال تعالى: (قل الله ثم ذَرْهُم) مَن نظر إلى الله تعالى لم ينظر لا إلى الدنيا ولا إلى العقبى ، وشمس قلب العارف أضوأ من شمس النهار ، وأبهج منها في مطلع الأنوار.
طلعتْ شمسُ من أحَبّكَ ليلاً ........ فاستنارتْ فما لديها غروبُ إنّ شمسَ النهارِ تغربُ ليلاً ........ وشموسُ القلوبِ ليست تغيبُ
قال ذو النون: إطلاع الحق سبحانه على الأسرار بمواصلة المدد ، كإطلاع الشمس على الأرض بإشراق الأنوار ، فعليكم بتصفية القلوب ، فإنها مواضع نظره ، ومواطن سره ، فإن من عرف الله لا يختار غيره حبيباً سواه ، وفي الخبر: "إن الله تعالى خلق الخَلْقَ في ظُلمة ، ثم ألقى عليهم شيئاً من نوره ، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضلَّ وغوى" وهو نور يخرج من سرادق المِنّة ، فيقع في القلب ، فيستنيرُ به الفؤاد ، ويبلغ شعاعه إلى حُجُب الجبروت ، ولا يحجبه عن الحق الجبروت ، ولا الملكوت ، فيصير العبد في جميع أفعاله وأقواله وحركاته وإرادته في حياته ومماته صائراً إلى النور (الله نور السموات والأرض) (يهدي الله لنوره من يشاء)). إن كنتَ لستَ معي فالذكرُ منك معي ...... قلبي يراكَ وإن غُيِّبْتَ عن بصري قال يحيى بن معاذ: المعرفةُ قربُ القلب إلى القريب ، ومراقبة الروح للحبيب ، والانفراد عن الكل بالملك المجيب ، وقال ذو النون: هي تخلية السر عن كل إرادة ، وترك ما عليه العادة ، وسكون القلب إلى الله بلا علاقة. وقال بعضهم: هيئتها جنون ، وصورتها جهل ، ومعناها حَيْرة ؛ فإن العارف يشغله علم الله تعالى عن جميع الأسباب ، فإذا نظر إليه الخَلْق استجهلوه ، ويكون أبداً في ميدان العظمة ولِهاً بين الخَلْق ، فإذا رأوه استجنُّوه ، ويكون بكلّيته فانياً بحب جلال عظمته تعالى ، مشغولاً عن مَن سواه ، فإذا أبصروه استدهشوه ، ولا يقدر أحد أن يُخبِر عن المعرفة بالله تعالى ، فإنها منه بَدت وإليه تعود . فالعارف فانٍ تحت اطِّلاع الحق تعالى ، باقٍ على بساط الحق بلا نفس ولا سبب ، فهو ميّتٌ حي ، وحيٌّ ميّت ، ومحجوبٌ مكشوف ، ومكشوفٌ محجوب ، تراه والهاً على باب أمره ، هائماً في ميدان برّه، مدْلالاً تحت جميل ستره ، فانياً تحت سلطان حكمه ، باقياً على بساط لُطفه . العارفون صارت أنفسهم فانية تحت بقائه وسلطانه عن كل حول وقوة ، تراهم باقين بحوله وقوته ، متلاشين عن كونهم وأسبابهم تحت جلال ألوهيته ، ملوكاً به دون مملكته ، فقرهم به وغناهم به ، وعزّهم به وذلّهم به. يُروَى أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : يا داود اعرفني واعرف نفسك. فتفكّر داود فقال: إلهي عرفتك بالفردانية والقدرة والبقاء ، وعرفت نفسي بالعجز والفناء. فقال : الآن عرفتني. وروي في الخبر: لو عرفتم الله تعالى حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس بعده جهل ، ولزالت الجبال بدعائكم مع أنه لا ينتهي أحد ولا يبلغ منتهى معرفته أن الله تعالى أعظمُ من أن ينتهي أحد إلى منتهى معرفته وقال الإمام جعفر الصادق عليه الرضوان والسلام : لا يعرف الله حق معرفته من التفت منه إلى غيره ، المعرفة هي طيران القلب في سرادق الأُنس والألفة ، جوّالاً في حُجُبِ الجلال والقُدرة ، وهذه حالة من صُمَّت أذناه عن البطالات ، وعميت عيناه عن النظر إلى الشهوات ، وخرس لسانه عن التكلم بالتُّرُّهات، وقيل لأبي يزيد ( ترى الخلقَ ، قال: به أراهم ، وسُئل محمد بن واسع هل عرفت ربك فسكت ساعةً ثم قال : من عرف الله تعالى قلَّ كلامُهُ ، ودام تحيُّره ، وفني عن صور الأعمال ، وتحيّر مع الاتصال ، مُتقرِّباً في جميع الأحوال ، منقطعاً عن الحال إلى وليّ الحال ، فإن الأمور بحقائقها لا بالحسِّ وصورها. قال أبو يزيد: ليس على تحقيق بالمعرفة ، من رضي بالحال دون ولي الحال . فإن من عرف الله كَلَّ لسانُه ، ودهش عقله . العارف إن تكلم بحالِه هَلَكْ، وإن سكت احترق . قال أبو بكر الواسطي: المعرفة على وجهين: معرفة الإيقان ، ومعرفة الإيمان ، فمعرفة الإيمان شهادةُ اللسان بتوحيد المَلِك الديّان ، والإقرارُ بصدق ما في القرآن ، وأما معرفة الإيقان فهي دوام مشاهدة الفرد الديّان بالجَنان ، وقال بعضهم : هي على ضربين ، الأول هو أن يعرف أن النعمة من الله تعالى ، قال الله تعالى (وما بكم من نعمةٍ فمن الله) فيقوم بشكره ، فيستزيد به النعمة من الله بدليل قوله تعالى : (لئن شكرتم لأزيدنكم)، والثاني رؤية المُنعِم من غير أن يلتفت إلى النعمة فيزيد شوقه إلى المُنعِم ، ويقوم بحق معرفته ومحبته ، وذلك قوله تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله)، (فإن تولّوا فقل حسبي الله)، وقال ذو النون المصري: هي على ثلاثة أوجه : أولها معرفة التوحيد ، وهي لعامة المؤمنين ، والثاني معرفة الحُجّةِ والبيان ، وهي للعلماء والبلغاء والحكماء ، والثالث معرفة صفات الفردانية ، وهي لأهل ولاية الله تعالى وأصفيائه الذين أظهر الله لهم ما لم يُظهر لمن دونهم ، وأعطاهم من الكرامات ما لم يجز أن يوصف ذلك بين يَدَيْ مَن لا يكون أهلاً له ؛ خصّهم الله من بين الخلائق واصطفاهم لنفسه واختارهم له ، فحياتهم رحمة ومماتهم غبطة ، طوبى لهم . وقال غيره: هي على وجهين : معرفة التوحيد ، وهو إثبات وحدانية الواحد القهّار ، ومعرفة المزيد ، وهي التي لا سبيل لأحد إليها . أقول: هي كشجرةٍ لها ثلاثة أغصان توحيد وتجريد وتفريد ، فالتوحيد بمعنى الإقرار ، والتجريد بمعنى الإخلاص ، والتفريد بمعنى الانقطاع إليه بالكلية في كل حال . وأول مدارج المعرفة التوحيد ، وهو قطع الأنداد والتجريد ، وهو قطع الأسباب ، والتفريد وهو بمعنى الاتصال بلا سير ولا عين ولا دون ، ولها خمس طرائق. أولها : الخشية في السر والعلانية ، والثانية: الانقياد له في العبودية ، والثالثة : الانقطاع إليه بالكليّة ، والرابعة : الإخلاص له بالقول والفعل والنيّة ، والخامسة: المراقبة في كل خطرة ولحظة. وحكي عن عبدالباري قال: خرجت مع أخي ذي النون فإذا نحن بصبيان يرمون واحداً بالحجارة ، فقال لهم أخي: ما تريدون منه ؟ قالوا: هذا رجلٌ مجنون ، ومع ذلك يزعم أنه يرى الله تعالى ، قال: فدنونا منه ، فإذا هو شابٌ وسيم ، ظهر عليه سيما العارفين ، فسلَّمنا عليه ، وقلنا: إنهم يزعمون أنك تدَّعي رؤية الله تعالى ، فقال: إليك عني يا بطّال، لو فقدته أقل من طرفةِ عينٍ لَمُتُّ من ساعتي ، وأنشأ يقول: طَلَبُ الحبيبِ من الحبيبِ رضاهُ ....... ومُنى الحبيبِ من الحبيبِ لقاهُ أبداً يلاحِظُه بعَيني قلبهِ ........ والقلبُ يعرفُ ربَّهُ ويراهُ يرضَى الحبيبُ من الحبيبِ بقربـه ........ دونَ العبادِ ، فما يريدُ سِواهُ
فقلت له: أمجنون أنت ؟ فقال: أمّا عند أهل الأرض فنعم ، وأما عند أهل السماء فلا ، قلتُ: فكيف حالك مع المولى ؟ فقال : منذ عرفته ما جفوته ، فقلت منذ كم عرفته ؟ قال: منذ جعل اسمي في المجانين.
| |
|