الهمة : ( قوة ) فعالة أو ( طاقة ) فعالة في الإنسان لها مصدران فيه :
المصدر الأول : أصل الجبلة .
المصدر الثاني : التربية والاكتساب .
ولم نر ، قبل ابن عربي ، من نَبَّه على مصدري الهمة . فأعطى الاستعداد حقه ، والتربية حقها . ووجود الهمة في أصل الجبلة : إمكان ، لذلك تمام وجود الهمة في العبد
هو : تفتح إمكاناتها من خلال تعلقاتها ودور العشق فيه .
يقول : 1 – الهمة : قوة ، وطاقة
أ . قوة
« فقوله ( لوط ) : لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً (1) ، أي همة فعالة 2 – الهمة لها مصدران : الجبلة ، والاكتساب
« واعلم أن وجود هذه الهمة في العبد ، على نوعين ، ولها مرتبتان : همة تكون في أصل خلقة العبد وجبلته . وهمة تحصل له بعد أن م تكن ... فإذا علمها ( الإنسان ) من نفسه ، صرّفها فيما أراد من الموجودات ، كنطق عيسى ? في المهد ، بأمر الله ، وهمة مريم ... أنها
( الهمة ) عندنا كلها ( أسباب ) يفعل الحق سبحانه وتعالى الأشياء عندها لا بها الاكتساب في الهمة يوصلها إلى تمام الوجود :
أ . الاكتساب والإنسان
« وقد نبه الرسول على الترقي في تأثير الهمم ، بقوله : تعلموا اليقين فإني متعلم معكم (4) ، وبقوله في عيسى ، حيث قيل له : إنه كان يمشي على الماء . فقال : ولو ازداد يقيناً لمشي في الهواء يتضح هنا ، أن الهمة في الأصل : طاقة ( محضة – عامة غير موجهة ) في الإنسان تقبل التعلق . ومن قبولها للتعلق يظهر دور الاكتساب والتربية فيها ، وإمكانية التوجيه الموصلة لتفتح إمكاناتها كافة . ويطل من خلال النصوص ( مفهوم ) يحدد تعلقات الهمة ألا وهو : إرادة الإنسان . فالإنسان دائماً موجود في النصوص السابقة كمالك وموجه لهذه الهمة . إذاً ( الإرادة ) توجه الهمة في تعلقاتها . ولا يخفي علاقة الإرادة : بالمريد ... وبالتالي دور ( التسليك ) في الوصول بالهمة إلى مقام ( الفعل ) .
• تبرز مما سبق أهمية ( تعلقات ) الهمة . إذ هي الأساس في :
أولاً : اختلاف الهمم
ثانياً : ترقي الهمم
ثالثاً : إسقاط التعلقات نفسها ، الواحد تلو الآخر
رابعاً : الحكم على الهمم
1 – اختلاف الهمم :
الهمة طاقة فقط لذلك تتشعب باختلاف تعلقاتها ، تبعاً لإرادة صاحبها .
فإن علَّق صاحب الهمة همته في الدنيا ، نراه يحصل الأموال .. وإن علقها : في العبادة ، يحصل المقامات .. وإن علقها : بالله ، تسقط التعلقات وتصير همومه هماً واحداً .
وهكذا في طاقة الهمة : أن تفعل ، في ميدان تعلقها .. هذا ويجب إلا نقف مع حدود اللفظ ، فنظن من قولنا أن الهمة : طاقة فقط ، أنها سلبية لا تؤثر في صاحبها ، لأن الهمة في وجهها المغروس في جبلة الإنسان ، تؤثر فيه إن كانت قوية . فالهمة القوية – في أصل الجبلة – تدفع صاحبها إلى الترقي والتعلق بعظائم الأمور ... كما أن إرادة صاحبها تحكم عليها فلابد من تبادل ( الأثر ) بين الأصلين في الجبلة . الأصل الأول الذي يمثل : حجم طاقتها نفسه . والأصل الأول الذي يمثل : حجم طاقتها نفسه . والأصل الثاني الذي يمثل : الإرادة والسلوك .
يقول ابن عربي : « إن اختلاف الهمم باختلاف المطامع ، لأن الهمم متعلقة
بها ... ولولا المطامع لانقطعت الهمم ، ولولا الهمم لبطلت الأعمال 2 – الترقي بالهمم وترقي الهمم
أن الهمم من ( تعلقها ) :
بالأعلى دون الأدنى : تترقى
بالثابت دون الفاني : تُحصل السعادة .
الهمة تتعلق بمعنى أنها : تتوجه كطاقة ، بحركة عشقية إلى متعلقها ، من توجهها إلى الأعلى ، وبالحركة العشقية السابقة ، تترقى . ففي ( توجه ) الهمة : حركة تترقى بها الهمة وبالتالي يترقى بها صاحب الهمة . فالهمة تحمل صاحبها : تترقى فيترقى . إنها علاقة جدلية بين : همة وإرادة للوصول .
يقول ابن عربي :
أ . الترقي بالهمم
« فامتطت ( همته ) متون الذاريات : براقاً .
ب . ترقي الهمم
كما أن ترقي الهمم هو : السبب المباشر في تعدد التعريفات المتعلقة بالهمة . فكل تعريف يمس ( الهمة ) : في مرحلة أو مرتبة من مراحل ترقيها وسلوكها .
يقول ابن عربي : « إن الهمة يطلقها القوم ( = الصوفية ) بأزاء تجريد القلب بالمنى ( = همة تنبيه ) ، ويطلق بأزاء : أول صدق المريد ( = همة إرادة ) ، ويطلق بأزاء جمع الهمم لصفاء الإلهام ( = همة حقيقة ) ، فيقولون الهمة على ثلاث مراتب : همة تنبه ، وهمة إرادة ، وهمة حقيقة وسنورد نصوص ابن عربي في مراتب الهمم الثلاث عند القوم ، يقول :
همة تنبه :
« إن همة التنبه : هي تيقظ القلب لما تعطيه حقيقة الإنسان ، مما يتعلق به التمني سواء كان مُحَالاً أَم ممكناً ، فهي تجرد القلب للمنى ، فتجعله هذه الهمة أن ينظر فيما
يتمناه ، ما حكمه ... فإن أعطاه ( النظر ) الرجوع عن ذلك ( التمني ) ، رجع ، وإن أعطاه العزيمة فيه ، عزم همة إرادة :
« وأما همة الإرادة : وهي أول صدق المريد . فهي همة جمعية لا يقوم لها شيء ... فإن النفس إذا اجتمعت أثَّرت في أجرام العالم وأحواله ، ولا يعتاص عليها شيء »(11) .
« فمن جمع همته على ربه : إنه لا يغفر الذنب إلا هو ، وإن رحمته وسعت كل شيء ، كان مرحوماً همة حقيقة :
« وأما همة الحقيقة : التي هي جمع الهمم بصفاء الإلهام ، فتلك همم الشيوخ الأكابر من أهل الله ، الذين جمعوا هممهم على الحق ، وصيروها واحدة لأحدية المتعلق ، هرباً من
الكثرة ، وطلباً لتوحيد الكثرة أو التوحيد 3. إسقاط التعلقات :
كنتيجة طبيعية لترقي الهمة : تسقط التعلقات ، حتى لا يبقى تعلق للهمة ، سوى : الحق ... تصير الهموم هماً واحداً . وهذا ندركه من لغة العشق الظاهرة في هذه المرحلة . أنها المرحلة الأخيرة – التي تظل ( الهمة ) فيها موجودة ، تؤكد الاثنينية – قبل ( الفناء )
وفي هذه المرحلة يظهر : الفعل والتأثير بالهمة لقيامها في مقام الجمعية .
( انظر نص : الاكتساب والعشق السابق . ونص جمعية الهمة الذي سيرد ) .
4. الحكم على الهمم :
إن ( الهمة ) كقوة باطنة في الإنسان لا تتحقق إلا بتعلقاتها . وبالتالي ظهورها لا يكون إلا في مستوى ( التعلق ) بالذات ... من حيث أن الهمة في البدايات لها صورة ، تختلف عن صورتها في الولايات ، عن صورتها في الحقائق . واختلاف الصورة كما نلاحظ مرجعه اختلاف التعلق .
• إن ( الهمة ) من حيث كونها طاقة لها : الفعل . وهي موجودة في كل إنسان .
وفعلها في كل إنجاز واضح . ولم يزد الصوفية على أنهم استفادوا من ( الهمة )
كطاقة ، ونقلوا فعلها من مستوى الظاهر ( = تأثيرها بالإنسان ومن خلاله بالأشياء المحسوسة ) إلى مستوى الباطن ( = الإنسان يفعل بالهمة ما لايمكن فعله إلا بالأسباب ) .
وعندما حقق الصوفية هذه ( النقلة ) ظهرت ( الهمة ) : أداة تأثير وفعل ، بكل ما للفعل من أبعاد عرفانية ووجودية عند الصوفية .
وأخذت وجه : ( الكرامة ) و ( خرق العادة ) .
يقول ابن عربي :
1. فعل الهمة : نُقلَة من الظاهر إلى الباطن
« الهمة .. كل ما لا يتوصل إليه شخص إلا بجسمه أو بسبب ظاهر ، يتوصل
إليه النبي والولي بهمته ، وزيادة ، وهي ( الزيادة ) الأمور الخارجة ، عن مقدور البشر
رأساً .. 2. تأثير الهمة :
« .. وقل للسلطان : هذه همة واحدة أثرت في شجرة مثمرة ( أيـبستها ) فكيف همم جماعة من المظلومين في قلع الظالمين !.. « فقالت ( شمس أم الفقراء ) : تمنيت أن يأتينا غداً أبو الحسن بن قيطون ، فاكتبوا إليه ..
فقال أبو محمد ( الشيخ عبد الله المروزي ) : هكذا تعمل العامة .
فقالت له العجوز : فماذا تفعل ؟
قال : أسوقه بهمتي .
فقالت : أفعل
فقال : قد حركت الساعة خاطره ( تأثير الهمة في خاطر الإنسان عن بعد ) بالوصول إلينا غداً إنشاء الله تعالى … 3 . الفعل بالهمة = مقام الجمعية :
« فصاحب الهمة ، له الفعل ، بالضرورة ، عند المحققين . هذا حظ الصوفي ومقامه « بالوهم يخلق كل إنسان في قوة خياله ، لا وجود له إلا فيها ، وهذا هو الأمر العام . والعارف يخلق بالهمة ما يكون له وجود من خارج محل الهمة ، ولكن لا تزال الهمة تحفظه ( والهمة ) لا تفعل إلا بالجمعية التي لا متسع لصاحبها إلى غير ما اجتمع عليه 4. الفعل بالهمة = الفعل بالحرف :
« وهذا الفعل بـ( الحرف المختصر ) يُعبرَّ عنه بعض من لا علم له ، بـ( الهمة ) وبـ( الصدق . وليس كذلك : وإن كانت الهمة روحاً للحرف المستحضر ، لا عين الشكل المستحضر . وهذه الحضرة تعم الحروف كلها ، لفظيها ورقميها
« فمن عَلِم ، من المحققين ، حقيقة ( كُنْ ! ) فقد عَلِم ( العلم العيسوي ) . ومن أوجد بـ( هِمَّتِه ) شيئاً من الكائنات ، فما هو من هذا العلم ( العلم العيسوي )
ويقول : « .. ويعلم ما هي خاصيتها ( الحروف المستحضرة ) حتى يستحضرها ، من أجل ذلك ، فيرى أثرها . فهذا ( الفعل بالحرف ) شبيه الفعل بالهمة .. فالفعل بالحرف لا يستلزم همة الشخص الناطق بالحرف . ومن هنا الأسماء التي استحقتها الهمة : الصدق . وغيره ، لأن الفعل لها .
5. البعد العرفاني في فعل الهمة :
وهنا تظهر الهمة : أداة معرفة عند الصوفي
« .. فالزم الخلوة ، علَّق الهمة بالله الرحمن ، حتى تعلم
« وما يعرف ما قلنا سوى عبد له همة .. فيحصل لصاحب الهمة في الخلوة مع الله وبه ، جَلَّت هِبَته ، وعظمت منَّتهُ ، من العلوم ما يغيب عندها كل متكلم على البسيطة . بل كل صاحب نظر وبرهان ليست له هذه الحالة ، فإنها وراء ، النظر العقلي .. غير أن الولي يشترك مع النبي ، في : أدراك ما تدركه العامة في النوم ، في حالة اليقظة ، سواء . وقد أثبت هذا المقام للأولياء أهل طريقنا ، وإتيان هذا ، وهو : الفعل
بالهمة ، والعلم من غير معلم من المخلوقين غير الله .. ومَدَرك ( = معرفة ) من أين عُلِمَ هذا ( أمور تتعلق بمقام الابدال ) ، موقوف على الكشف . فابحث عليه بالخلوة والذكر والهمة .. »(6. الفعل بالهمة = خرق عادة :
« ... ولست أعني بالكرامات إلا ما ظهر عن قوة الهمة ... فأقطاب هذا المنـزل : كل وليَّ ظهر عليه خرق عادة عن غير همته ، فيكون إلى النبوة أقرب ممَّن ظهر عنه خرق العادة بهمته . والأنبياء هم العبيد على أصلهم • ظهرت ( الهمة ) من خلال التعريفات والنصوص السابقة : أداة تأثير وفعل ، يستخدمها الصوفي . ( فالصوفي ) : إذاً موجود ، يختار ويفعل . وهذا ينافي ما يطلبه في سلوكه إلى الله ، أي : الفناء ، وترك الاختيار .
ينتج عن ذلك أن : ( الفعل بالهمة ) و ( العرفان ) في علاقة جدلية ، ( ينقص ) أحدهما ( فيزيد ) الآخر . وهكذا . حتى نصل إلى : تمام قدرة الفعل بالهمة ، وانتفاء الاختيار فيه بتأثير العرفان .
يقول ابن عربي : « فإن قلت ( السائل ) : وما يمنعه ( النبي لوط ) من الهمة المؤثرة ، وهي موجودة في السالكين من الاتباع – والرسل أولى بها ؟ قلنا ( ابن عربي ) : صدقت ، ولكن نَقصَك علم آخر ، وذلك أن المعرفة لا تترك للهمة تصرفاً . فكلما علت معرفته ( الإنسان ) نقص تصرفه بالهمة وأما نحن ( ابن عربي وامثاله ) فما تركناه ( التصرف ) تظرفاً – وهو تركه إيثاراً – وإنما تركناه لكمال المعرفة : فإن المعرفة لا تقتضيه بحكم الاختيار . فمتى تصرف العارف بالهمة في العالم فعن أمر الهي وجبر لا اختيار • ( الهمة ) عند ممارستها كونها قوة تحريك ، يعرض لها قواطع عن دورها هذا .
وتنحصر هذه القواطع بكل ما في طاقته : أضعافها ، ومنبعه كله : الإحساس بالعجز . فعندما يحس صاحب الهمة بالعجز : تضعف همته .
يقول ابن عربي : .. فتحفظ من أسباب أمراض الهمم ، واعلم أن من
أعظمها : نظر أهل البدايات إلى أحوال أهل النهايات ، ومطالبتهم أنفسهم ( أهل
البدايات ) بأحوالهم ( أهل النهايات ) ، فيصعب عليهم ويستبعدون ذلك ، فتضعف
هممهم ..• في نهاية بحثنا ( للهمة ) لابد من التنويه إلى أنها موجودة بأسماء مختلفة عند كل
طائفة . وهذه الأسماء منبعها : خاصيتها في الفعل . فهي عند المتكلمين : ( الإخلاص ) ، وعند الصوفية ( الحضور ) ، وعند العارفين ( الهمة ) . أما ابن عربي فيفضل أن يسميها : العناية الإلهية . وربما مرجع ذلك إلى أن إمكاناتها في أصل الجبلة عناية إلهية .
يقول ابن عربي : من وافق تأمينه ( يقول : آمين ) تأمين الملائكة ، في الغيب المتُحقَّق ، الذي ( الموافقة – التأمين ) يسمونه العامة من الفقهاء ( الإخلاص ) . وتسميه الصوفية ( الحضور ) ، ويسميه المحققون ( الهمة ) ونسميه ، أنا وامثالنا : ( العناية )
( استجيب له ) ثم نرجع أن هذه الانفعالات الإلهية ، المختصة بالوجود على يدي هذا الشخص الإنساني – على مراتبها – أصلها الذي ترجع إليه : قوى نفسية . تسميها الصوفية : الهمة . ويسميها بعضهم : الصدق ، فيقولون : فلان أحال همته على أمر ، فانفعل له ، ذلك . وفلان صدَقَ في أمر ما ، فكان له ذلك ويقول : . . لهم ( أشخاص ) القدم الراسخ في الصدق ، فيقتلون بالهمة ، وهي الصدق