لقد
تبين من خلال ما مضى من بحثنا أن التصوف هو علم جليل وعظيم ولكنه ابتلي في الآونة
الأخيرة بثلة من المتصوفة الذين دخلوا فيه وهم ليسوا منه . كما ابتلي الإسلام بالمنافقين في أول
ظهوره الذين أبطنوا الكفر واظهروا الإيمان . وكما قيل لكل قاعدة شواذ
. والعجب
كل العجب أنَّ الكثير من أعداء التصوف راحوا يتكلمون عليه من خلال هؤلاء الأدعياء
وهو منهم براء , وهذا ظلم عظيم . وما مثل التصوف إلا كمثل باقي العلوم الأخرى
, فقد دس
في علم الحديث من ليس من أهله فدسوا الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلك وكذلك
علم الكلام والعقيدة والسير والتاريخ والفقه وغيرها من العلوم . فكذلك التصوف
ابتلي بالأدعياء كما ابتلي غيره لكن ميزان التصوف أصبح واضحاً وحقيقته مشرقة
.
ويتجلى في قول العالم الجليل الفاضل الأمام السيوطي رحمه الله تعالى : ( إن التصوف في نفسه علم شريف وإن مداره
على أتباع السنة وترك البدع وعلمت أيضاً أنه قد كثر الدخيل فيه من قوم تشبهوا
بأهله وليسوا منهم فأدخلوا فيه ما ليس منه فأدى ذلك إلى إسأءة الظن بالجميع ) . كتاب
تأييد الحقيقة العلية للسيوطي ص 57.
ولو
تمعنت أخي في قول الإمام السيوطي لتجلت لك الحقيقة وهذا الذي حدث دخل في التصوف
أناس اخذوا بالقشور وتركوا اللب والأصل وسموا أنفسهم بالصوفية بل والبعض منهم تصدر
للمشيخة واتبعه المريدين فهلك وأهلكهم ويتحقق فيهم قول الله تعالى ( وإذا رايتهم تعجبك أجسادهم ) المنافقين 4 ،
ولو دخلت إلى قلوبهم وبواطنهم لما وجدت ذرة من
إيمان . تصدروا للمشيخة دون أن يتعبوا ويجاهدوا أنفسهم . فصاروا أشكالاً وأجسادا بدون
قلوب . ألسنة بلا أخلاق . إنما أصلحوا ظواهرهم ودنسوا بواطنهم .
يقول الإمام
الجيلاني رحمه الله تعالى في كتابة فتوح الغيب
المقالة الثالثة والثلاثون :
الناس
أربعة رجال : وذكر منهم ( رجل له لسان بلا قلب فينطق بالحكمة ولا يعمل بها يدعو
الناس إلى الله وهو يفر منه عز وجل . يستقبح عيب غيره ويدوم على مثل في نفسه .
يظهر للناس تنسكاً ويبارز الله عز وجل في العظام من المعاصي أذا خلا كأنة ذئب علية
ثياب . وهو الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله
: إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم للسان . حديث صحيح رواه احمد عن عمر. فابتعد عن هذا وهرول لئلا يختطفك بلذيذ
لسانه فتحرقك نار معاصيه ويقتلك نتن باطنه وقلبه )
وهذه الصورة التي مثلها لنا الشيخ عبد لقادر الجيلاني قدس الله
سره تعطينا صور كاملة عن أدعياء التصوف وما أكثرهم أعاذنا الله وإياكم منهم فلما
كثر هؤلاء الأدعياء وأعمالهم كلها تخالف التصوف الصحيح بدءوا يدسون في كتب الصوفية
ويغيرون القواعد والمناهج التي أسسها رجال التصوف وفق ما يناسب أهوائهم ومخالفاتهم
ومصالحهم فأدخلوا في التصوف ما ليس منه وكل ذلك باسم الصوفية ومن الأمثلة على ذلك
: (حلق الذكر وجمع الرجال والنساء , والشطح فيما يخالف
الشرع , والاتحاد والحول , وغيرها من المخالفات ) ومن أكثر الذين دس في
كتبه من العلماء هو الأمام الشعراني رحمه الله الذي كرس علمه وكتبة لمحاربة هؤلاء
الأدعياء ولما صار لهم عقبة وعليهم نقمة دسوا في كتبة وأدخلوا فيها ما خالف الشرع
واسمع إلى قوله يقول شيخ عبد الوهاب الشعراني في
كتابه لطائف المنن : ومما
من الله تبارك وتعالى به علي صبري على الحسدة والأعداء لما دسوا في كتبي كلاما
يخالف ظاهر الشريعة وذلك لما صنفت كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود وكتب
عليها علماء المذاهب الأربعة بمصر وتسارع الناس لكتابته فكتبوا منة نحو أربعين
نسخة غار من ذلك الحسدة فاحتالوا على بعض المغفلين من أصحابي واستعاروا منة نسخته
وكتبوا لهم منها بعض كراريس ودسوا فيها عقائد زائفة ومسائل خارقة لإجماع المسلمين
وحكايات وسخريات عن جحا وابن الرواندي وسبكوا في ذلك غضون الكتاب في مواضيع كثيرة
حتى كأنهم المؤلف ثم اخذوا تلك الكراريس وأرسلوها إلى سوق الكتب في يوم السوق وهو
مجمع طلبة العلم فنظروا في تلك الكراريس ورأوا اسمي عليها فاشتراها من لا يخشى
الله تعالى ثم دار بها على علماء الجامع الأزهر فأوقع ذلك فتنة كبيرة ومكث النادي
يدورون في المساجد والأسواق وبيوت الأمراء نحو سنة وانتصر لي لشيخ نصر الدين
القاني وشيخ الإسلام الحنبلي والشيخ شهاب الدين بن الحلبي كل ذلك وأنا لا اشعر
فأرسل لي شخص من المحبين بالجامع الأزهر واخبرني الخبر فأرسلت نسختي التي عليها
خطوط لعلماء فنظروا فيها لم يجدوا فيها شيئا مما دس هؤلاء الحسدة ) لطاف المنن ج 2 ص 190
وكذلك
ما دس في كتب الشيخ محي الدين العربي رضي الله عنه وذكر العلامة ابن عابدين الفقيه
الحنفي وصاحب أكبر موسوعة في الفقه الحنفي أن الراجح عنده بالنسبة لما ورد في كتب
الشيخ محيي الدين بن عربي مما يخالف الشرع بأنه مفترى عليه ولذلك تجد نص عبارة
صاحب الدر المختار ج 3ص 303 : ولكن الذي تيقنته أن بعض اليهود افتراها علي الشيخ قدس
الله سره ، بل إن ابن تيمية نفسه يعترف بالدس على السيدة رابعة العدوية حيث يقو
ل: وأما ما ذكر عن رابعة عن قولها عن
البيت الحرام انه الصنم المعبود في الأرض كذب على رابعة المؤمنة التقية ، وذلك في
كتاب مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية ج 1ص 80
والحاصل
من هذا كله أننا نريد من الذين يحاربون التصوف أن ينصفوا ويعدلوا ويفرقوا بين
أدعياء التصوف والسادة الصوفية فلا تزر وارزة وزر أخرى ولا يؤخذ الصالح بالطالح
واعتقد أننا كشفنا في كلامنا الذي سبق حقيقة التصوف ووضعنا له الميزان الشرعي وهذا
كافي للتفريق بين الصوفية وأدعيائهم .
كما نقول لك الصوفية احذروا هؤلاء الأدعياء
واجتنبوهم وتفرقوا من حولهم وافضحوهم بين الناس لأنهم داء عضال ينبغي أن يستأصل من
جذوره فإنه ينخر في الدين ويمرضه ولا ينبغي أن نسكت على هذا المرض العضال ، وينبغي
أن نتساعد في هذا الأمر والله الموفق .