فلسفة التوسل والتبرك بالصالحين
كثر جدل المختلفين في جواز التوسل والتبرك بالصالحين وآثارهم من عدمه مع أن ديننا الإسلامي الحنيف ( الكتاب والسنة ) حافل بكثير من الشعائر التي نمارسها عملياً ، ولكن بدون سبر غور معانيها من تمحص وتدقيق . لا بل التهجم والتهكم بمن يفعلها وتشنيع فعله ورميه بالشرك والزندقة ، بل أكثر من هذا ، فقد وصف بعضهم أهل التصوف بأنهم قبوريون ، وهم يتساوون في ما يرمون الصوفية به مع الذين ينكرون عذاب القبر والبرزخ .
ونقول لهم : إن تسميتكم لنا بالقبوريين يعني أننا ندعو ونتوسل بجاه ميت ، ولا ندري هل إذا مات الإنسان يزول جاهه عند الله ؟ وإذا طلبنا من الميت بجاهه عند الله ، فهل هو لا يسمع إذ انقطاعه عن الدنيا فناؤه بالكامل ؟ وإذا كان كذلك فكيف كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يكلم قتلى المشركين في قليب بدر ويقول لهم : وجدتم ما وعد ربكم حقّاً ؟ فيقال له : تدعو أمواتاً ؟ فيقَول : ما أنتم بِأسمع منهم ، ولكن لا يجيبون .
إن الموت نفسه لا يعني الفناء ، وإنما هو الانتقال من عالم إلى عالم آخر ، إذ الإنسان حي منذ الأزل ومنذ كان الله اسمه الخالق وما زال يخلق إلى ما لانهاية والإنسان باق إلى الأبد لأنه في النهاية يرجع إلى الله سبحانه ، ولكنه يتنقل في أربعة عوالم وهي : عالم الذر وعالم الدنيا وعالم البرزخ وعالم الآخرة كما في الآية الشريفة : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) فهو متنقل من حياة إلى حياة ومن عالم إلى عالم ، فعالمه الأول هو عالم الذر ، والإنسان فيه بالنسبة إلى عالم الدنيا ميت أي غير موجود في الدنيا ، وإذا انتقل من عالم الذر إلى عالم الدنيا فهو بالنسبة إلى عالم الذر ميت ، ولكنه حي في عالم الدنيا . وهكذا في عالم البرزخ الذي هو القبر ، وهو أيضاً عالم يعيش فيه الإنسان كما كان يعيش في الدنيا ، ولكن لكل عالم حكمه ، فعالم الذر عالم وجود ، وعالم الدنيا عالم اختبار ، وعالم البرزخ عالم انتظار ( الارتهان بعمله الذي عمله في الدنيا ) فإن كان خيراً فهو في نعيم ، وإن كان شراً فهو في جحيم ، وإن القبر أول منزل من منازل الآخرة ، كما ورد في الحديث الشريف ، فإن نجا منه الإنسان فما بعده أيسر ، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه ، وهذه العوالم متطابقة متداخلة مع بعضها البعض لا تحتاج إلى مكان وزمان كما نتصور في عقولنا المحدودة الضيقة ، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( يموت الإنسان على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه ) كتاب الكبائر للذهبي ص23 ، ويقول أيضاً : ( إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ) سنن الترمذي ج8 ص500 .
والكلام هنا في هذا المقام يطول حيث اختلافهم وإنكارهم من هذا المنطلق ، لأنهم يعتقدون بفناء الإنسان عند موته كلياً ، ولا يفرقون بين جاه ولي ونبي وبين مسلم عادي ، ونقصد الجاه من حيث كونه نبي وولي له جاهه ومكانته عند الله سبحانه ، يقول الله تعالى مخبراً عن سيدنا موسى عليه السلام : ( وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً ) فكما كان مرجعاً في المهمات في حياته فهو كاشف للملمات في مماته بأمر الله تعالى وبإذنه عز وجل : يقول الشاعر الصوفي :
لي سادةٌ منْ عزِّهمْ أقدامُهمْ فوقَ الجِباه
إنْ لمْ أكُنْ منهمْ فَلي في حُبِّهمْ عزٌ وَجاه
وكما أن هناك أناس مقطوع عملهم في القبر كذلك هناك من لا ينقطع أجره بفضل الله تعالى ، فقد حدثنا القرآن عن المؤمنين بأن لهم أجر غير ممنون ، أي غير مقطوع ، ومنهم مرشدون ومعلمون ومنهم منقذون ، وهو عالم فسيح لأمر الله تعالى فيه شؤون فكما ان الاجر غير مقطوع للبعض.كذلك الجاه غير مقطوع للبعض من الخواص .
أما بالنسبة للتبرك بالصالحين وبآثارهم بعد انتقالهم ، فإن لنا في شعائر مناسك الحج التي امتدح الله تعالى من يعظمها أكبر شاهد وأعظم دليل ، فقال في كتابه العزيز : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) حيث من الشعائر أن نقبّل ونتبرّك بالحجر الأسود لأنه يرمز إلى يمين الله في أرضه ، كذلك في المقابل نرجم حجارة ترمز للشيطان لأنه عدو الله في أرضه ، وكذلك نتجه في عبادتنا لله سبحانه إلى حجارة وقف عليها سيدنا إبراهيم عليه السلام لبناء بيت الله الحرام وهي مقام إبراهيم ، لقوله تعالى : ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) وحتى الكعبة المشرفة قبلتنا إلى الله كما نقول عن النبي والولي وسيلتنا إلى الله تعالى ، فهي بناء أمرنا الباري عز وجل بتولية وجوهنا إليه أينما كنا في عبادتنا لله ، وهي كلها تهدف إلى تعبيرنا عن الحب في الله والبغض في الله أي الولاء والبراء ، فتبركنا بمقام ولي الله المشهود له بالتقوى والصلاح في حياته من كثير من الناس أو نبي الله ورسوله إنما هو تعبير عن موالاة أولياء الله وأحبائه ، ومن العجيب الغريب حيث يسمحون للحجيج والزائرين للحرمين الشريفين المكي والمدني بالتبرك بكل هذه الرموز لأنبياء وصالحين كالسعي بين الصفا والمروة الذي هو تشبه بفعل زوجة النبي إبراهيم وأم النبي إسماعيل جد نبينا الأكرم الأعظم سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، وكذلك حجر إسماعيل المجاور للكعبة المشرفة فهو يدخل ضمن الطواف ، وهو يضم أكثر من سبعين نبي تحت هذا الحجر وهو أيضاً قبر لسيدنا إسماعيل وأمه سيدتنا هاجر عليهما السلام ، فكل هذه الأحجار ، وهذا الطواف والتبرك لا يعترضون عليه بل يعترضون على زيارة النبي والتبرك بمقامه الشريف ومس الشباك المبارك ، وهو الآمر بهذه المناسك بوحي من الله تعالى ، أليس هذا هو عدم دراية بمقاصد الدين ؟ لأنه ليس من المعقول أن نتبرك بحجر لا ينفع ولا يضر كما يقول سيدنا عمر وهو يرمز إلى يمين الله في أرضه ، ولا نتبرك بنور الله في أرضه وقرآنه الناطق والذي خلق الوجود لأجله ، فكان رحمة للعالمين ، فيا ترى متى يعي المتجمدون على ظاهر الشرع هذا المعنى ؟ بل متى يفتحون قلوبهم قبل عقولهم ، ولكنهم لو عظموا قدر نبيهم في قلوبهم لما استعظموا التزام شباك مقامه المبارك ولوضعوا تراب مقامه المبارك كحلا في عيونهم ، ولكنسوا روضته المشرفة بلحاهم .
كثر جدل المختلفين في جواز التوسل والتبرك بالصالحين وآثارهم من عدمه مع أن ديننا الإسلامي الحنيف ( الكتاب والسنة ) حافل بكثير من الشعائر التي نمارسها عملياً ، ولكن بدون سبر غور معانيها من تمحص وتدقيق . لا بل التهجم والتهكم بمن يفعلها وتشنيع فعله ورميه بالشرك والزندقة ، بل أكثر من هذا ، فقد وصف بعضهم أهل التصوف بأنهم قبوريون ، وهم يتساوون في ما يرمون الصوفية به مع الذين ينكرون عذاب القبر والبرزخ .
ونقول لهم : إن تسميتكم لنا بالقبوريين يعني أننا ندعو ونتوسل بجاه ميت ، ولا ندري هل إذا مات الإنسان يزول جاهه عند الله ؟ وإذا طلبنا من الميت بجاهه عند الله ، فهل هو لا يسمع إذ انقطاعه عن الدنيا فناؤه بالكامل ؟ وإذا كان كذلك فكيف كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يكلم قتلى المشركين في قليب بدر ويقول لهم : وجدتم ما وعد ربكم حقّاً ؟ فيقال له : تدعو أمواتاً ؟ فيقَول : ما أنتم بِأسمع منهم ، ولكن لا يجيبون .
إن الموت نفسه لا يعني الفناء ، وإنما هو الانتقال من عالم إلى عالم آخر ، إذ الإنسان حي منذ الأزل ومنذ كان الله اسمه الخالق وما زال يخلق إلى ما لانهاية والإنسان باق إلى الأبد لأنه في النهاية يرجع إلى الله سبحانه ، ولكنه يتنقل في أربعة عوالم وهي : عالم الذر وعالم الدنيا وعالم البرزخ وعالم الآخرة كما في الآية الشريفة : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) فهو متنقل من حياة إلى حياة ومن عالم إلى عالم ، فعالمه الأول هو عالم الذر ، والإنسان فيه بالنسبة إلى عالم الدنيا ميت أي غير موجود في الدنيا ، وإذا انتقل من عالم الذر إلى عالم الدنيا فهو بالنسبة إلى عالم الذر ميت ، ولكنه حي في عالم الدنيا . وهكذا في عالم البرزخ الذي هو القبر ، وهو أيضاً عالم يعيش فيه الإنسان كما كان يعيش في الدنيا ، ولكن لكل عالم حكمه ، فعالم الذر عالم وجود ، وعالم الدنيا عالم اختبار ، وعالم البرزخ عالم انتظار ( الارتهان بعمله الذي عمله في الدنيا ) فإن كان خيراً فهو في نعيم ، وإن كان شراً فهو في جحيم ، وإن القبر أول منزل من منازل الآخرة ، كما ورد في الحديث الشريف ، فإن نجا منه الإنسان فما بعده أيسر ، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه ، وهذه العوالم متطابقة متداخلة مع بعضها البعض لا تحتاج إلى مكان وزمان كما نتصور في عقولنا المحدودة الضيقة ، قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( يموت الإنسان على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه ) كتاب الكبائر للذهبي ص23 ، ويقول أيضاً : ( إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ) سنن الترمذي ج8 ص500 .
والكلام هنا في هذا المقام يطول حيث اختلافهم وإنكارهم من هذا المنطلق ، لأنهم يعتقدون بفناء الإنسان عند موته كلياً ، ولا يفرقون بين جاه ولي ونبي وبين مسلم عادي ، ونقصد الجاه من حيث كونه نبي وولي له جاهه ومكانته عند الله سبحانه ، يقول الله تعالى مخبراً عن سيدنا موسى عليه السلام : ( وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً ) فكما كان مرجعاً في المهمات في حياته فهو كاشف للملمات في مماته بأمر الله تعالى وبإذنه عز وجل : يقول الشاعر الصوفي :
لي سادةٌ منْ عزِّهمْ أقدامُهمْ فوقَ الجِباه
إنْ لمْ أكُنْ منهمْ فَلي في حُبِّهمْ عزٌ وَجاه
وكما أن هناك أناس مقطوع عملهم في القبر كذلك هناك من لا ينقطع أجره بفضل الله تعالى ، فقد حدثنا القرآن عن المؤمنين بأن لهم أجر غير ممنون ، أي غير مقطوع ، ومنهم مرشدون ومعلمون ومنهم منقذون ، وهو عالم فسيح لأمر الله تعالى فيه شؤون فكما ان الاجر غير مقطوع للبعض.كذلك الجاه غير مقطوع للبعض من الخواص .
أما بالنسبة للتبرك بالصالحين وبآثارهم بعد انتقالهم ، فإن لنا في شعائر مناسك الحج التي امتدح الله تعالى من يعظمها أكبر شاهد وأعظم دليل ، فقال في كتابه العزيز : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) حيث من الشعائر أن نقبّل ونتبرّك بالحجر الأسود لأنه يرمز إلى يمين الله في أرضه ، كذلك في المقابل نرجم حجارة ترمز للشيطان لأنه عدو الله في أرضه ، وكذلك نتجه في عبادتنا لله سبحانه إلى حجارة وقف عليها سيدنا إبراهيم عليه السلام لبناء بيت الله الحرام وهي مقام إبراهيم ، لقوله تعالى : ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) وحتى الكعبة المشرفة قبلتنا إلى الله كما نقول عن النبي والولي وسيلتنا إلى الله تعالى ، فهي بناء أمرنا الباري عز وجل بتولية وجوهنا إليه أينما كنا في عبادتنا لله ، وهي كلها تهدف إلى تعبيرنا عن الحب في الله والبغض في الله أي الولاء والبراء ، فتبركنا بمقام ولي الله المشهود له بالتقوى والصلاح في حياته من كثير من الناس أو نبي الله ورسوله إنما هو تعبير عن موالاة أولياء الله وأحبائه ، ومن العجيب الغريب حيث يسمحون للحجيج والزائرين للحرمين الشريفين المكي والمدني بالتبرك بكل هذه الرموز لأنبياء وصالحين كالسعي بين الصفا والمروة الذي هو تشبه بفعل زوجة النبي إبراهيم وأم النبي إسماعيل جد نبينا الأكرم الأعظم سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ، وكذلك حجر إسماعيل المجاور للكعبة المشرفة فهو يدخل ضمن الطواف ، وهو يضم أكثر من سبعين نبي تحت هذا الحجر وهو أيضاً قبر لسيدنا إسماعيل وأمه سيدتنا هاجر عليهما السلام ، فكل هذه الأحجار ، وهذا الطواف والتبرك لا يعترضون عليه بل يعترضون على زيارة النبي والتبرك بمقامه الشريف ومس الشباك المبارك ، وهو الآمر بهذه المناسك بوحي من الله تعالى ، أليس هذا هو عدم دراية بمقاصد الدين ؟ لأنه ليس من المعقول أن نتبرك بحجر لا ينفع ولا يضر كما يقول سيدنا عمر وهو يرمز إلى يمين الله في أرضه ، ولا نتبرك بنور الله في أرضه وقرآنه الناطق والذي خلق الوجود لأجله ، فكان رحمة للعالمين ، فيا ترى متى يعي المتجمدون على ظاهر الشرع هذا المعنى ؟ بل متى يفتحون قلوبهم قبل عقولهم ، ولكنهم لو عظموا قدر نبيهم في قلوبهم لما استعظموا التزام شباك مقامه المبارك ولوضعوا تراب مقامه المبارك كحلا في عيونهم ، ولكنسوا روضته المشرفة بلحاهم .