عن عز الدين بن عبد السلام ، أنه قال عند ذكر الأثر المذكور من عرف نفسه عرف ربه ، ظهر لي من سر هذا الحديث ما يجب كشفه ، ويستحسن وصفه ، وهو ان الله سبحانه وضع هذا الروح في هذه الجثة الجسمانية ، الكثيفة ، دالة على وحدانيته وربانيته ووجه الاستدلال من عشرة أوجه :
الأول : ان هذا الهيكل الإنساني لما كان مفتقرا إلى مدبر و إلى محرك .
الثاني : لما كان مدبر الجسد واحد وهو الروح ، علمنا ان مدبر هذا العالم واحد لا شريك له في تدبيره ، لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا ، لو كان معه الهة . الآية ، وما كان معه من اله الآية .
الثالث : لما كان هذا الجسد لا يتحرك الا بإرادة الروح ، وتحريكها له علمنا ان الله مريد لما هو كائن في كونه لا تترك ذرة الا بإذنه .
الرابع : لما كان لا يتحرك في الجسد شيء الا بعلم الروح وشعوره به ، لا يخفى عن الروح من حركات في الجسد وسكناته شيء ، علمنا ان الله سبحانه لا يغرب عن علمه سبحانه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .
الخامس : لما كان الجسد لم يكن فيه شيء اقرب من الروح ، علمنا أنه قريب إلى كل شيء .
السادس : لما كان الروح موجودا قبل وجود الجسد ، ويكون موجودا بعدها ، علمنا أنه سبحانه موجود قبل كون خلقه ويكون موجودا بعد فناء خلقه ، فما زال ولا يزال وتقدس عن الزوال .
السابع : لما كان الروح في الجسد لا يعرف له كيفية ، علمنا أنه مقدس عن الكيفية .
الثامن : لما كان الروح في الجسد لا يعلم له اينية ، علمنا أنه مقدس عن الاينتية و الكيفية فلا يوصف باين ولا كيف ، بل الروح موجود في سائر الجسد ما خلا منها موضع من الجسد ، وكذلك الحق سبحانه تنزه عن المكان و الزمان .
التاسع : لما كان الروح في الجسد لا يخفى ولا يحس ، علمنا ان الله سبحانه منزه عن ذلك .
العاشر : لما كان الروح في الجسد لا يدرك بالبصر ولا يمثل بالصور علمنا ان الله ليس كمثله شيء اه .
وفي هذا الحديث اعني قوله من عرف نفسه الخ تفسير مشهور ، وهو ان تعرف أن صفات نفسك على ضد صفات ربك ، من عرف نفسه بالعبودية , عرف ربه بالربوبية ، ولذا قدم أهل الفضل ذكر صفاتهم وما تقتضيه الطبيعة البشرية قبل سؤالهم ، تحقيقا بمقام العبودية ، وإعطاء لحق الربوبية .